آخر تحديث: 26 / 4 / 2024م - 4:16 م

الخير والشر

علي أحمد آل رضي

ليس بغريب أن تشاهد في تيمور رجل طويل القامة وأن تلمح في غابات أفريقيا فلّاحة من ذوات البشرة البيضاء وان تسمع عن طفل يعيل عائلة، وأن تقرأ وفي بلاد المسلمين عن الآباء والأمهات المسنّين المنسيّين في دور العجزة لأن الواقع واسع يضم خير المتّقين وشر المقصّرين كما الصورة المسطّرة بالنقاط عن خير المقصرين وشر المتقين. خلال مراحل العمر المتوالية نلحظ أن الإرادة تصنع المعجزات والكسل يضيع الفرص وباستطاعتهما أن يجعلا الكهل شاباً وخدوماً وفي ظروف مغايرة يتحول الشاب إلى كهلٍ كسول. الأخلاق الحميدة عنوان الأمن والأمان وتأثيرها عام على الكون، ولكن بعض الأعمال الضارة والمشينة مع الغدر والفجر تنهش السلام والمودة والمحبة المجتمعية وهي للأسف مهنة ختيارية الشر في بعض زوايا اليابسة.

فئات البشر خلقت لتندمج مع بعضها البعض ولعل النظرة الفطرية البريئة تطفو عندما يقترب طفل من كهل أو يشاهد شاب آخر يتألم أو ترى أحد أصحاب الهمم مُقعداً يلتمس المساعدة على الطريق. في هكذا ظروف الفرص متاحة، ينشط رجل الخير كما ينشط ختيار الحارة رجل الشر. ثمة صفات رائعة منشودة يتّصف بها المجتمع الطيّب كالصدق والأمانة والإحسان والسلام والتقوى والوفاء والمؤازرة والتعاون والتكاتف ومدّ يد العون والمساندة والتي لا يختلف ظاهرها عن باطنها ولكن ليس بغريب أن يندسّ مجموعة من لابسي جلد الحرباء بين الناس والتي تنتزع طاقتها وتلوّنها من الكذب والدجل والمصلحة الخاصة وانعدام المسؤولية. مثل هؤلاء المندسّين متى تمكّنوا من انتزاع مكاناً توغلوا أكثر وأكثر عبر صفّين من المعاملات يكون الأمامي منها بروز سراب الابتسامة والوجاهة والاهتمام المزيّف بقضايا المجتمع التنموية وغيرها، وآخر عبارة عن مضمار اللعب والانقضاض والسيطرة والسبق في سلب المكاسب والتي غالباً تكون شخصية وليست مجتمعية لأنها ملوّثة بسلبيات السوء والمكر.

يتخيّل لي تشكّل المجتمعات عبر العقود والقرون وكيف تتأثّر بالبيئة الحاضنة وبنزاهة ونقاوة الوجهاء وما يطرحوا من مبادرات وما يحصدوا من انجازات مقارنة مع ازدياد أشرار الحارات والفساد ومضيّعي السموّ والرفعة والجمال والصفاء بين قلوب الناس. هل تغيّرت التفاعلات بتفاصيلها حتى كدنا لا نجزم بنتائج ما نقوم به وإن شاع تكراره ونتائجه دهراً وهذا عائد إلى الأنانية وعدم قبول كل ما يطرحه الآخرون والتسلّط وفرض وجهة نظرنا نحن. عندما نكتب نسطّر أخطاء نراها من فرد ودون تساؤل وتدقيق ننسب هذه الأخطاء إلى شريحة وإلى كل المجتمع، ومتى سبق اسمنا حرف طرنا وأمسينا ننظر إلى الناس من فوق حتى نخبرهم أنّا نرى ما لا يرون ولدينا مقوّمات التشخيص والعلاج الذي لا يشوبه شائبة مطلقاً وفي جميع مجالات وعلوم الحياة.

لا ينسى المجتمع رجاله مهما طال الزمن حيث ذكراهم واخلاصهم وجهودهم المخلصة والنافعة حُفِرت وقصصهم دوِّنت وفي الديوانيات والمخطوطات ذكِرت، هؤلاء رجال الخير هم فقط ممن عملوا الكثير مما ينفع الناس، ولا عزاء لتلك الثلّة ختيارية الشر التي ما برحت تنثر الرغوة والزبد وتزرع الفرقة والاستغلال. الأفراد السلبيّون عالة أينما حلّوا ولم يسلم منهم لا الأنبياء ولا الأولياء فمن الطبيعي أن الجميع غير محصّن من غدرهم ونزواتهم وألاعيبهم، لذا من الواجب مواجهة من يُكتشَف دون هوادة وفضحه كجزء من العقاب الرادع له ولأمثاله. المجاملات والطبطبة لها وقتها وقد تحسب تصرفاً إيجابياً ضمن خطة تربوية ولكن مع المراهقين الختيارية لا مكان لها حيث أثرها السلبي كبير على من يتابعها من الناشئة.

الصراع بين الخير والشر أمر حتمي وتظل أرواحنا مكمن أخلاقياتنا.