آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:00 م

الإمام ُ الصغيرُ سنّا الراجح عقْلا.

ليلى الزاهر *

نشأ الإمام الجواد في جوّ مشحون بالأقاويل والتساؤلات التي تصدرتها ظاهرة توليه الإمامة والمرجعية وهو في سن الطفولة. وفي حين عدّها البعض ظاهرة إعجازية إلا أنها كانت تسبب القلق للبيت العباسي آنذاك.

إنّ هذه الظاهرة الإعجازية تواجدت لأول مرة في حياة الأئمة حيث

ذكر المؤرخون أنّه لمّا استشهد الإمام الرضا كان عمر ولده الجواد آنذاك نحو تسع سنين أو ثماني سنين ولم يكن لديه ولد آخر.

وقد مثّل الجواد خطّ الإمامة في كلّ مجالاتها النظرية والعملية، ومارس دور الإمام صدقا وجهرًا حيث كانت القواعد الشعبية المؤمنة بإمامته تتفاعل معه مباشرة في مسائلها الدينية وقضاياها الاجتماعية والأخلاقية.

تحرّك الإمام الجواد على المسرح الاجتماعي بفاعلية كبيرة ونشاط ملحوظ دون خوف من فرقة الواقفة التي كانت تقول بوقوف الإمامة عند جده الكاظم . وهذا النشاط للإمام جعل الخليفة المعتصم يتضايق منه ومن تحركه فأحضره إلى بغداد يراقب حياته عن كثب.

من جهة أخرى فقد ساعد المأمون في تسليط الأضواء على إمامة الجواد وعلمه عندما كان يُعرضه لامتحانات عديدة من أجل إفحامه وإبعاد الناس عنه إذ جمع بينه وبين كبار العلماء أمام العباسيين فتبين تفوق الجواد العلمي والفكري على صغر سنّه.

ومن الأحداث التي نقلها التاريخ محاورة يحيى بن أكثم وهو من كبار المفكرين في عهد المأمون مع الإمام الجواد عندما طرح على الإمام مسألة يقطعه فيها فقال له: ما تقول جعلتُ فداك في مُحرم قتل صيدًا؟

فقال أبو جعفر : قتله في حلّ أو حرم عالمًا كان المحرم أو جاهلًا، قتله عمدًا أو خطأ، حرًّا كان المحرم أو عبدًا صغيرًا كان أو كبيرًا، مبتدئا بالقتل أو معيدا، من ذوات الطير كان الصيد أم من غيرها، من صغار الصيد أم من كبارها، مصرًا على ما فعل أو نادمًا، في الليل كان قتله للصيد أم في النهار، محرمًا كان بالعمرة إذ قتله أو بالحج

كان محرمًا؟

فتحير يحيى بن أكثم وبان في وجهه العجز والانقطاع ولجلج حتى عرف جماعة أهل المجلس أمره.

وحقيقة الأمر بل خلاصته في إمامة الجواد سلام الله عليه أن المستوى الفكري والعلمي لمن يمثلون خط السير على إمامة أهل البيت أنّهم لم يغفلوا عن أنّ الإمامة في شخص طفل صغير فيتبعونه ويكوّنون له قاعدة شعبية وهو ليس بإمام صدقا وعقلا. خاصّة أنّ مدرسة أهل البيت من أكبر المدارس العلمية والفكرية وأضخمها أينما حلّت في كل زمان ومكان وامتدت بفروع عديدة بين الكوفة والمدينة وخراسان.

هذا فضلا عن نفي الاعتقاد الخاطئ الذي يُمثل الطائفة الشيعية بأنها تنظر للإمام والإمامة على اعتبار أن الإمام مجرد رقم في تسلسل نسبي، وراثي وما هذا الاعتقاد سوى جهل بالإمامة وشروطها.

لذلك كانت حياة الإمام الجواد امتدادًا برّاقا لحياة أبيه الرضا سلام الله عليهما، وكان يمثله في المنهج والسيرة والعلم بالرغم من صغر سنه الشريف.