آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 3:44 م

قبس من نور السيدة زينب (ع)

الحوراء زينب مجمع الكمالات وتنضح من شخصيتها ومواقفها الفضائل والصفات الحميدة التي تتحلى بها، ولا غرو في ذلك فهي خريجة ذلك البيت المحمدي والعلوي والفاطمي الذي تلقت منه مباديء تربيتها ومعارفها وتهذيب سلوكها، ولذا فإن الباحث في عناصر الألق والسمو في شخصيتها سيجدها نموذجا آخر ومثيلا لتلك الشخصيات العظيمة، فمن نظر في عبادتها وأنسها بذكر الله تعالى فسيرى فيها ذلك الغابد الذي ينجذب إلى ذكر الله والوقوف بين يديه، ففي أصعب المواقف وأحلك الليالي المرة التي صادفتها الحوراء وهي ليلة الحادي عشر من المحرم بعد ساعات من شهادة أخيها الإمام الحسين ، لم تتخل عن محراب العبادة وإحياء صلاة الليل والتهجد في خضم ظروف غير مسبوقة من الصعوبة والألم والحزن، ولذا أضحت نبراسا في خطى طريق القرب من الله تعالى واستشعار حلاوة العبادة، إذ من عاش فكره مع مضامين الصلاة خشوعا وخضوعا للمولى كانت الصلاة جلاء همه وموضع انطلاقته في الحياة متخففا من كل قلق وخوف.

والحوراء زينب في عطائها وزهدها آية الفكر الوقاد ومشعل الفهم لحقيقة دور الإنسان التكاملي في الحياة، وذلك أن المال وتحصيل الثروات بلا حدود واتخاذه الغاية الأهم يغير تلك النفوس الضعيفة والجشعة، فيورثها ذلك الحرص الشديد وحب المال وانشغال الفكر بالمظاهر المادية الخداعة، ولنا في سيرة الحوراء ما يفهمنا حقيقة السعادة والفلاح والعلاج من مرض الحرص الشديد من خلال مبدأ العطاء وبلسمة آلام وحاجات الآخرين، إذ كانت مأوى وأما للمساكين الذين يفدون على بيتها فتقدم لهم ما يخفف عنهم وطأة الفقر، فزوجها عبد الله بن جعفر كان تاجرا ذا ثراء وجعل التصرف في أمواله بيدها ، فلم تقبل به على تكوين الثروات وامتلاك الدور، بل كانت الزاهدة في هذه الدنيا تأخذ منها بقدر حاجتها وتنفتح نفسها على الإنفاق وإبعاد شبح العازة قدر الإمكان، إنها بذلك مضرب المثل لمن فهموا الحياة الدنيوية حق الفهم، فلم تضرب نفسها في مقتل شوائب حب المال وكنزه، كيف وهي التي يعمر قلبها الإيمان بالله تعالى ولقائه يوم الحساب.

ومن جوانب العظمة في شخصيتها مبدأ تحمل المسئولية ومواجهة الظروف القاسية بكل صبر واقتدار، ففي واقعة الطف وما تلاها في مسيرة السبي المضنية لم تلجأ الحوراء - وحاشاها - إلى ندب الحظوظ وصب اللعنات على الزمن القاسي والتقوقع في نطاق الماضي التليد بل تجهزت بأوراق القوة،

وما أعظمه من درس يحتاجه الإنسان في طريق مواجهة التحديات والأزمات دون وهن وتقهقر، فقد علمتنا الحوراء بأن الشخصيات تقاس قوة أو ضعفا في ساعة البلاء والشدة، إذ الأحداث الصعبة تعد المجهر الكاشف لما يمتلكه المرء من أوراق واستعداد للمواجهة أو التخلي والهروب، ففي منهجية الحوراء ليس هناك إلا خوض المواجهة لتجاوز العقبات والوصول إلى الأهداف والغايات، وهذا كان سر قوتها في وجه أعتى الظروف والمشاهد التاريخية، والتي خلدت تلك المرأة العظيمة المتشحة بالقوة والصبر.

إن أولياء الله تعالى الصالحين ممن اجتباهم سبحانه ليكونوا الأدلاء عليه والحاملين لراية الهدى والحق، قد كشفت سيرتهم العطرة عن معادنهم الأصيلة وما كانوا عليه من قوة إيمانية وتسليم ورضا بقضاء الله تعالى، والحوراء زينب سطرت بأقوالها التي تصدقها وتؤكدها فعالها أجمل المواقف في ساحة الامتحان والشدائد، فلم تكن إلا تلك العابدة العارفة ربها والشجاعة التي لا تلين ولا تهادن في طريق الحق والمعطاءة التي تشارك الآخرين همومهم بوجدانها والمال التي تحت يديها، والمبلغة التي تفرغ من وقتها ما تعلم به النساء من حولها من آيات كتاب الله المجيد وشرعه الحنيف.