آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 4:24 م

الجدال بالتي هي أحسن

رضي منصور العسيف *

قال تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [النحل: 125].

كان يجلس في ديوانيته وفي كل ليلة يفتح موضوعًا للنقاش الحاد... ويكثر فيه الجدال العقيم... كان يصر على رأيه لا يبالي بما يطرحه الآخرون...

تغيب أحدهم عن الديوانية وعندما قالوا له أن «فلان» منزعج من أسلوبك أجابهم: لأنه ضعيف في ثقافته... ضعيف في حجته... دعوه وشأنه ولنبدأ الجلسة...

يقول آية الله العظمى السيد محمد الشيرازي «قدس سره» الجدال، هو أن تريد التغلب في الكلام على طرف الحديث، فتقول وتقول لإثبات ما أرتأيته حقاً كان أو باطلاً  في قرارة نفسك 

وما ينبغي المجادل من جداله؟ إنه يريد أولاً وأخيراً انتصار نفسه... [1] 

النقاشات الحادة، والتمسك بالرأي، والإصرار على صحة الرأي وتخطئة الآخرين، والشعور بأنك صاحب الرأي الصائب كل هذه العناوين هي «جدال» هي نقاشات عقيمة من شأنها أن تجعل الآخرين ينفرون منك.

إن الطريقة الصحيحة في النقاشات والحوارات هي القائمة على الأدلة العلمية ومعرفة آلية قبول الرأي الآخر، وبعبارة «الجدال بالتي هي أحسن» كما ورد عن الإمام العسكري : ذكر عند الصادق الجدال في الدين، وأن رسول الله ﷺ والأئمة المعصومين قد نهوا عنه فقال الصادق :

لم ينه عنه مطلقا، لكنه نهى عن الجدال بغير التي هي أحسن[2] .

وفي هذا الصدد نؤكد على بعض آليات الجدال الناجح:

الكلمة الطيبة:

يقول تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا البقرة /83 اختر كلماتك بعناية فائقة، فللكلمة حساسية فائقة وتأثير عميق في النفس، فهي تحرك المشاعر، وهي تحرك العقول، وللكلمة قوة ربما تتفوق على أي قوة أخرى توصل لها الإنسان لأنها تمس الروح والعقل والقلب. يقول الإمام علي : من حسن كلامه كان النجح أمامه[3] .

نبرة الصوت:

قال تعالى:﴿وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ لقمان/19

قال رسول الله ﷺ: إن الله يكره من الرجال الرفيع الصوت، ويحب الخفيض من الصوت[4] .

لست بحاجة لأن ترفع صوتك لكي تثبت صحة مقولتك، فرفع الصوت يُعطي صورة سلبية، ويسبب نفور الآخرين منك، وتذكر أن كسب القلوب واحترام الناس أهم من كسب المواقف، ويمكن الإقناع بالحجة والبينة، فالصوت أداة لإيصال الرأي وليس لمعارضة الآخرين أو فرض الرأي عليهم.

لا تتمسك بخطئك:

روي عن رسول الله ﷺ: كل بني آدم خطأ وخير الخطائين التوابون[5] .

فلا تحاول أن تثبت صدق رأيك وأنت تعلم أنك مخطئ، بل حاول أن تكون مرناً في النقاش وأن تعترف بالخطأ، وهذا الأسلوب سيعطي انطباعاً لدى الآخرين بأنك صادق وهو ما يزيد من ثقتهم بك وتأثيرك عليهم.

وتذكر أن الاعتراف بالخطأ هو خلق الأقوياء لا الضعفاء.

تجنب الغضب

يجب أن يكون أسلوبك في حلقات الجدال قائماً على الرفق واللين والحكمة، وحاول أن تبتعد عن الانفعالات والغضب والتوتر، لأن الانفعال سيترك أثراً سلبياً على الآخرين وسيأخذون فكرة خاطئة عن شخصيتك. كما يقول الإمام الصادق : الغضب ممحقة لقلب الحكيم «6».

نتيجة الجدال

إن الجدال العقيم يهيج العواطف ويثير العداء والبغضاء وربما جرّ إلى أبشع عاقبة وأوخم فساد، يقول أمير المؤمنين : ”إياكم والمراء والخصومة، فإنهما يمرضان القلوب على الاخوان، وينبت عليهما النفاق“[7] 

وكما يقول جبران خليل جبران:

”ليس من الذكاء أن تنتصر في الجدال وإنما من الذكاء ألا تدخل في الجدال أصلاً“

[1]  الفضيلة الإسلامية ص 308

[2]  ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 1 - الصفحة 373

[3] ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 3 - الصفحة 2743

[4]  ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 2 - الصفحة 1680

[5]  ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 1 - الصفحة 338

[6]  ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 3 - الصفحة 2264

[7]  الكافي - الشيخ الكليني - ج 2 - الصفحة 300
كاتب وأخصائي تغذية- القطيف