آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 1:22 م

ثنائية الصمت / الثرثرة في مجموعة حسين السنونة القصصية «الثرثرة في المحراب»

جهات الإخبارية د. ناهد الطحان

ربما تداعب مشاعرنا رغبتنا الداخلية في التأمل والتهدج بعيدا عن الثرثرة التي ملأ. ت حياتنا وقضت مضاجعنا وحولت آذاننا الي أجهزة لاستقبال الغث والسمين من الكلام.. لنقع في أزمة دون ارادة منا لكننا في مجموعة القاص والمبدع السعودي حسين السنونة القصصية «ثرثرة في المحراب» تواجهنا ثنائية الصمت / الثرثرة حيث يضعنا القاص في مأزق إنساني عندما يثرثر في محرابه بعيدا عن معاني التقديس والابتهال والعزلة والترهب والتبتل التي يستدعيها المحراب.. لكنها في الوقت نفسه ثرثرة تستدعي وقفة إزاء الصمت المطبق الذي يعترينا جراء انصرافنا عن مواجهة عيوبنا ومعالجة قضايانا الإنسانية والعربية.. ليدق القاص بذلك ناقوس الخطر ازاءها عبر ثرثرة خفية فيما وراء مشاهده المتنقلة.

ففي قصته «ثرثرة في المحراب» ينتقل بنا السرد عبر صيغة الراوي العليم للمسجد من خلال بطل القصة الذي ينتظر مع الجموع الشيخ ليصلي بهم ليقتحم رويدا رويدا نماذج بشرية وقضايا انسانية متشابكة في مجتمعه إضافة إلى مشكلات حياتية لايمكن السكوت عليها.. فهاهي الطماطم قد فاق سعرها سعر برميل البترول وهاهو الدخان المبعث من الرجل في الصف الخلفي يزكم أنفه.

وينتقل بنا القاص لتساؤلات كونية من خلال قصته «أجساد ثملة» و«اسئة بيضاء مجنونة» متسائلا لماذا خلق الله المطر؟ ولماذا الموت؟ في محاولة لسبر اغوار الحياة من أصولها في معناها الحيوي.. انها أسئلة من الصعب أن ندينها او نأخذ منها موقفا لأنها جزء منا تتردد أصداؤه بين جنباتنا وربما لم تواتنا الشجاعة للإفصاح عنها.

ويتوغل بنا القاص الي ابعد من ذلك عندما يدين التعصب للرجل على حساب المرأة ليغوص داخل نفسية المرأة المكلومة التي لا تجد من مجتمعا سوي الرفض والا دانة في محاولة منها لاستشعار جمال الكون والانطلاق بعيدا عن السجن داخل بوتقة التعصب.

وفي قصة «أنين الذكريات» يسافر بنا حسين السنونة عبر مشاهد مختلفة كأنه سيناريو مصور ليمسح بعينيه ومشاعر ذلك التراث الذي تركه الأجداد.. وبين حين وآخر يشجينا بأشعار تتغنى بالحياة والحب.

وفي زهو بعروبته وشرقيته يكتب قصته «رسالة من الصين» تلك التي تشي برغبة قوية في الخروج من أسر الاضطهاد الذي يحاصرنا جميعا في مجتمعنا العربي ليلقي بنا في مجال الإرهاب والتأزم.

أما في قصته «وهج الخيال» فنعيش مع حسين السنونة مشكلات موظفي الدولة من خلال حوار هادئ ومثير في نفس الوقت مع احد المتعاملين. وفي قصة «غباء.. خاص جدا» و«مثلث من ورق» نجد ان القاص ينتقد انشطار الإنسان بين أن يكون متدينا او ان يكون علمانيا في مجتمعاتنا التصنيفية بطبيعتها كما ينتقد عادات المجتمع في قصة «قطط.. حشرات.. نمل» وقصة «عام جديد» وفي «ترانيم مواطن متسكع» يعكس لنا حسين السنونة مشاعر الحنق على هذا العالم بكل قسوته وغلظته من خلال شخصية مواطن يناجي البحر الذي طالما سكب دموعه في جوفه لتتحد مع امواجه.

وفي «ها أنت وحدك» و«ثرثرة سجين» نجد فضح لأشكال المهادنة للسلطة والمال في مجتمعنا من قبل المفكرين والمثققين على حساب مبادئهم من خلال رجل لايغير مبادئه مهما كانت الإغراءات ويعيش من أجل المصلحة العامة ويرفض التلاعب بأفكاره ويحلم ان يدخل العرب القدس.

وفي «ملح بطعم العسل» ينحاز القاص الي البسطاء الذين يرضون بحيواتهم قانعين على عكس ما يتوقع الآخرون.

ونقف هنا قليلا عند قصة «فنجان أسود وقصة عجوز» لنتأمل الزمن الذي يتغير من خلال أحد الأشخاص المفصولين عن حركة هذا الزمن في دعوة الي ان تستشعر حرارة هذا التغيير وألا نقف جامدين محصورين في فنجاننا الأسود.. ف الموسيقى في المقهى كلاسيكية ورومانسية وموسيقى ديسكو تناسب الشباب مما يشير الي تغير الأذواق والأوقات ف لايوجد مزاج واحد نظل عليه طيلة الوقت مما يدفع بطل القصة المثقف العجوز للرقص داخل صومعته ليتغير في النهاية ويتغير احساسه بالزمن.

ويختم القاص حسين السنونة مجموعته «ثرثرة في المحراب» بقصة «رأس وكف ووسادة» من خلال حلم عربي طالما داعب كل منا ألا وهو حلم تحرير فلسطين ببطل يقوم بشحذ الشباب والانتصار بالفعل على اليهود.. كما أنه يحلم بالثروة وقضاء الحاجات مما يسعد الناس ويدخل على نفوسهم البهجة الي ان يستيقظ على واقعه اليومي ومابه من تشوهات.

لقد أفرغ حسين السنونة في مجموعته أحلامه العربية والقومية وأمنياته في مجتمع خال من الفساد وفي أفراد قادرين على التمييز بين الصالح والطالح بمنطق عقلي واع يستطيع تجاوز الازمات بعيدا عن التحيز الأعمى والتعصب الذي يشوه العلاقات الإنسانية النقية.

هكذا تتكشف لنا طبيعة الثرثرة في عالم حسين السنونة القصصي فهي ثرثرة من نوع خاص ثرثرة تدفعنا للتبتل والتفكر في الكون من حولنا بعيدا عن الاغتراب داخل مجتمعاتنا العربية وبعيدا عن الصمت المطبق والثرثرة الممجوجة التي تجنح للرفض لكنها من وجهة نظر القاص ثرثرة بديلة عن الصمت بالرغم من انها قد لا تؤدي إلى أي تغيير.