آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 11:39 م

الجوهرة المدفونة

فؤاد الجشي

أجمل الأوقات عندما تشعر بالسعادة، أشياء قد تحدث أو حدثت كانت أسباب ذلك الشعور، كأنه جريان ماء بين نهرين، أحدهما الكوثر والآخر يقال له نهر الرحمة. إنّها غمرة أوجاعنا التي نظنُّ أنّها لن تبرأ، شعور من غير ممكن رؤيته أو لمسه بل تظهر على تصرفات الشخص بشكل واضح فيشعر بها كلُّ من حوله.

اختلف البشر في تعريف السعادة حيث لم يتوصل إلى تعريف موحّد للسعادة، فهي تختلف باختلاف الأشخاص والمجتمعات والمعتقدات، لكنّها تدور حول الرضا والشعور بالمتعة والراحة. إنّها حالة نفسية مزاجية تعكس الظرف الخاص والعام للفرد أثناء حياته ومعاشه اليومي، ربما الفقير ينظر أن يكون غنياً والعليل أن تكون صحته جيّدة، الاختلاف واضح في تحديد السعادة، لكنّ الأولوية في تحقيق السعادة من خلال التقرب إلى الله الذي يعطي الإنسان الطاقة الروحانية الإيجابية التي تعينه على مواجهة ضغوط وأزمات الحياة، هي نقيض النحس والشقاوة.

لذا عليك مواجهة الحياة بكامل طاقتك الحيوية، لا تيأس من صنع أجمل الكلمات أو فلسفتها داخل كيانك الداخلي، في اعتقادي أنتم أو أنا أفضل من هؤلاء الفلاسفة الذين وضعوا تلك التعبيرات الأفلاطونية أو الأرسطية في مفهوم السعادة أنّها معادلة رياضية ما إن تستقرّ، تحصد الأمل، تجتاز ألم الحياة بالطاقة التي تولدت فيك أنت أيها الإنسان. ربما لا تقدّم لك الحياة سعادة دائمة ولا حزناً دائماً، لكنّك تستطيع أن تواجه تقلبات الحياة وفصولها، أن تزرع ذلك الأمان في بيتك ومجتمعك بقدراتك الذاتية التي استودعها الله لنا جميعًا.

لا تعتقد أنّ السعادة للأغنياء فقط، البشر مختلفون في ترتيبهم الاجتماعي يتقاسمون الحياة كما أودعت من قبل الخالق الفاني، مُلكه يضع الأشياء في نصابها، يرزق من يشاء بغير حساب، إلّا السعادة فهي جوهرة أودعت فينا من البدء. ثمة تشبيه خيالي يقول إنّ السعادة تمثل أحيانًا قيراط ألماس ضائع لأذن امرأة جميلة تحاول إيجادها حتى تفوز بلبها، وما إن تجده يصدر صوتاً جميلاً من أنحاء المكان يشكرك على جميل الفعل.

يجب أن نعلم أننا بشر قادرون على فعل الشيء في أصعب الظروف. اتفقوا على أنّ السعادة الغاية القصوى التي ليس بعدها غاية التي يصبو إلى تحقيقها وتحصيلها كلُّ إنسان عاقل. إذاً هي جملة من الحقائق الإنسانية التي نبحث عنها في جميع الظروف، فهي تلعب الدور الأكبر لاستمرار الحياة عندما نجد لاجئين زمن الحروب في تيه الصحراء مع أطفالهم، محاولين العيش بكرامة، ينتظرون الماء والطعام، محاولة منهم شحذ النجاة بين حلقة الموت والحياة، ربما تتراجع عندهم بعض القيم مثل الشرف والورع على مرّ الوقت بسبب الجوع الكافر الذي يؤذي الإنسان إلى حدٍّ كبير. لكن السعادة تبقى بداخلهم ينتظرون كلمة أو لبة عين تنظر إليهم في إعادة الأمل والحياة معًا.

نظرتنا إلى دواخلنا قصيرة لا تتعدّى فرسخاً بينما نكافح ونقرأ في كتب التنمية البشرية كيف تحقق السعادة في عشر خطوات، قد لا تدفعك لتحقيق إنجازات كبيرة، لكنّك تستطيع أن تنمّي عقلك الباطن ومستودع سرّك في تغيير نظرتك للجمال في اختصار مسافة الحزن إلى تلقائية الصورة شارحة المقاصد الجمالية معتمدًا على الخيال والإبداع متجاوزاً ظروف الماضي إلى التوازن الذي يقول السّعادة - كما أومن بها - هي خلاصة تجربة إنسانية عميقة، تؤدي إلى توازن نفسي عميق، يُسلِّحنا باستراتيجية فعّالة في مواجهة المواقف الصعبة، لنستطيع الإفراج عن الابتسامة ونحن في أشدّ المواقف الحياتية صعوبة وعنتاً، أهمها البساطة، فهي سوف تقودك في النهاية إلى السعادة، وبالتالي إلى التوازن.

قال الإمام علي : ”الدهر يومٌ لك ويومٌ عليك، فإن كان لك فلا تبطر، وإن كان عليك فاصبر“ [ميزان الحكمة، ج2 ص928].