آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 10:36 م

قائِدتُنا مَرْيَم وَأَلَم الْفِرَاق

محمد آل داوود

حَمْلٍ ثَقِيلٍ، لَا يَكَادُ يفارقنا، نغلبه أحيانًا، ويغلبنا أُخْرَى، قَد يضعفنا تَارَة، وَلَعَلَّه يقوينا تَارَةً أُخْرَى، ننساه، أَو نتناساه، لَا يَرَى فِيهِ بَعْضُنَا إلَّا نقصًا وتنغيصًا وَمَرَارَة، وَيَرَى آخَرُون فِيه امتحانًا وَاصْطِفَاء، بَل يُخْبِرُنَا بَعْضُهُمْ عَنْ حَلَاوَة مُخَبَّأَة تَحْتَ تِلْكَ الْمَرَارَة، أَنَّه الْأَلَم، قَرِين الْحَيَاة، الَّذِي نَعْرِف وننكر، وَمَنْ ذَا الَّذِي لَمْ يَذُقْهُ ويكتوِ بِنارِه؟

سنَشْتاق إِلَيها... وَلَكن يَعْزُّ عَلِيّنا هٰذا البُعْد... إِنَّها أُبْعَد مِمّا نَظُن، وَأَقْرَبُ إلَى قُلُوبِنَا أَكْثَرَ مِمَّا تَظُنّ لَكِن قُرْبُها الْفِعْلِيّ بِآت شيْئاً مُسْتَبْعَداً، أَفْلَتت أَيْدِينا فِيَّ عِزِّ تُعَلقنا بِهَا... فِيَّ مُنْتَصَف طَرِيقنا المُؤَدِّي إِلَى السَعادَة، غادَرَتنا بعَد آخِر اجْتِمَاع وكانَ الوَداع بِقُرْبِ ضِفاف الأَمَل... غادَرَتنا وَبَقِينا نَحْنُ هُناكَ نُلَمْلِم أَشْلائنا المُبَعْثَرَة، كانَ انكساراً عَظِيماً لَم نَتَوَقعهُ يَوْماً، ندبهُ لَا تشْفَى مَهْما حَيِينَا...

بداخلي شُعُور يُشْبِه الضَّيَاع.

شُعُور يُشْبِه وَكَأَنَّك تَبْحَث

عَنْ أَحَدِهِمْ،

أَوْ عَنْ شيءٍ ضَاع مِنْك،

وَمَا إنْ تَدْخُلَ إلَى مكانٍ مَا

تفتشُ عَنْه بِعَيْنَيْك،

وَبِكُلّ حَوَاسَّك

بحثاً عَنْه

وَلَكِنَّك لَا تَجِدُهُ؛

لِأَنَّكَ لَا تُعْرَفُ مَاذَا فُقِدَت بالأساس!

وَكُلّ ما تعرفه أَنَّ هُنَاكَ شُعُور غَرِيبٌ

يلاحقك،

ملازمٌ لَك،

يَجْعَلَك تُفَتِّش فِي كُلِّ مَكَان،

فِي كُلِّ الْوُجُوه

حِينَمَا رحلْتَ، ظننتُ أنَ كلَّ شيْءٌ سيرحلُ معْها حتمًا...

وبقيتُ عَلَى هَذَا الْأَمَل لِفَتْرَة، إلَى حِينِ رأيتُها بَيْن سطورُ الْكُتُب... فِي وُجُوهِ الْمَارَّة... تتحرك حَوْلِي أَيْنَمَا كُنْت...

كأنّ غيابها كوجودِها، تَأْبَى الِانْسِحَاب، تعاود الظُّهُور...

زائرًة مِن الأمسِ الْبَعِيد...

أبتسمُ... لمشاعرٍ لَا قدرةَ لِي عَلَى تَفْسِيرِهَا...

أَهَذِه سطوةُ الذّكريات؟!

لملمت شذى حُزْنِي الدامي بأطرافٍ قصيدةٍ كَتَبْتُهَا وَالدّمْع يَجْرِي عُنوةً مِن مقلتايَ تَحْكِي عَن ألمِ فراقٍ لَيْس كمثلهِ ألمُ. مِنْ كُلِّ شطرٍ تسردُ روايةً مِن عمقِ الجرحِ وبلاغةِ الْكَلَام. تبِعها شهيقٌ كَادَت الرُّوح تخرجُ بَعْدَهُ إلَّا أَنَّهَا أَبَت وَأَرَادَت تَعْذِيب الْجَسَد لِأَنّ شخصاً آخَرُ قَدْ امتلكها. وَبَات الدَّمْع حارقاً كألسنةِ لَهَب جَهَنَّمَ لَا يَرْحَمُ وَلَا يَرْأَف بحالِ الْعَيْنَيْن اللوزيتين المتورمتين..

مَاذَا لَو أنّ كُلّ راحلٍ عنّا اسْتَأْذَن قُلُوبِنَا عِنْد رَحِيلِه ووفر عَلَيْهَا وعثاءَ الشوقِ وطُول الْحِرْمَان، مَاذَا لَو تَجْمَعُنَا الْأَقْدَار بطيفهم فنلتمس مِنْهُم عَنَاقٌ الألفِ عَامٍ أَوْ نُمْلَك مَفَاتِح السِّنِين فَنَعُود حَيْث كُنَّا فِي صُمْت وهدُوء.. أَلَسْنَا أَحَقّ إلَّا يتشتتوا ويذهبوا دُون وَدَاع، أَلَسْنَا أَحَقّ بقُربهم؟

رحم الله من يقرأ للشابة مَرْيَم امغيزل قائدة فريق همّه التطوعي وللمؤمنين والمؤمنات سورة الفاتحة.