آخر تحديث: 16 / 4 / 2024م - 4:10 م

لا تخاطر وتستغنى برأيك - سلسلة خواطر متقاعد

بصراحة، لا أستطيع أن أحصي المطبَّات التي وقعتُ فيها أنا وكثيرٌ من أصحابي وكنّا في غنى عنها لو استشرنا قبل أن يقع الفأسُ في الرأس. وبعض البلايا للأسف كان ألمها موجعًا ومكلفًا للغاية. ولا أستطيع أن أحصي عددَ المرّات التي كانت الاستشارة صائبةً واتَّقيتُ بها شرّ الوقوع في أزماتٍ ماليّة وعمليّة أو أسريّة.

حقًّا، تواجهنا اليوم عقبات لا يذللها إلا العقلُ الجمعي - الواعي - في العائلة والعمل والاستثمار وتربية الأبناء والتخصص الجامعي، والقائمة تطول، من الأمور التي تنفع فيها العقول حين نستشير الأمناء. شرطَ أن يقدم لنا الأمناءُ صفوَ عقولهم من الحكمةِ والمعرفة والنّصيحة. هذا لا يعني الرجوع إلى أوّل رجل يطلع علينا من رأسِ الشّارع ونطلب المشورةَ منه، بل نبحث عن المشير المختصّ العارف والذي يبذل الجهدَ في النّصيحة.

في أمثال ما قبل هذا العصر ”أكبر منك بيوم أفهم منك بسنة“، والتي تعني أن السنّ هو الحاكم وليس الخبرة والعقل والتخصّص، قد يكون أسوأ من عدم الاستشارة. وأنا بكلّ صراحة أكثر من مشاورةِ الشَّباب الذين هم أصغر منّي سنًّا، وأستمتع بوجهات نظرهم وذوقهم. وفي كثيرٍ من الأحيان يكون رأيهم وازنًا راجحًا قياسًا بأعمارهم. الشبّان - والشابّات - اليوم لديهم من التعليم والخبرة وسعة الاطِّلاع ما يغري ويشجّع على استشارتهم والاستفادة والاستئناس برأيهم.

إن كان عندك أصدقاء تستطيع أن تفضفض لهم بأمان وتسرق خلاصةَ عقولهم، افعلها ولا تتردّد. أنت محظوظٌ جدا، ولهذا يُدَّخر الأصدقاءُ الجيِّدون، لوقتِ الضيق. وفي المقابل الرجاء منك أن تُخلص لمن استشارك وتعطيه أصدقَ الرأي. وإن كنت لا تعلم فلا تعطه ما يضره من النَّصيحة أو يزيد من ارتباكه، فقط لأنّك تعتقد أنّ من واجبك الكلام!

عقلٌ واحد قد ينتج عملا جبّارًا، كيف إذًا بما تنتجه عدَّةُ عقول؟! ولهذا لا عجب حين ينصح العقلاءُ مثل الإمام علي بن أبي طالب بالاستشارة:

لا يستغني العاقلُ عن المشاورة.

حقّ على العاقل أن يضيفَ إلى رأيه رأيَ العقلاء، ويضمَّ إلى علمهِ علومَ الحكماء.

وقيل أن في التوراةِ أربعة كلمات: من لا يستشير يندم.

أما البخيل والحريص والجبان ومُرتجل الكلام والأحمق والكذاب، وعموم من يُظَنّ في مشورتهم البطلان والخذلان فمَشورتهم قد تضر أكثرَ ممّا تنفع!

مستشار أعلى هندسة بترول