آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 2:34 ص

السلوك الاحتوائي

محمد أحمد التاروتي *

السلوك الاحتوائي يحافظ على العلاقات الإنسانية، ويسهم في استدامة الصداقات البشرية، فالمرء الذي يتجنب الانفعال، ويركز على المشتركات، ويتحاشى الدخول في المناطق المحظور، يجد الاستجابة المتبادلة من مختلف الاطراف، لاسيما وان الاحتواء يقضي على الاحقاد الداخلية، ويساعد في توطيد العلاقات الإنسانية، بين مختلف الشرائح الاجتماعية، الامر الذي يسهم في احداث تحولات جذرية في نمط التفكير، ويكرس ثقافة التعاضد، ويؤدي الى نبذ مسببات الفرقة والشقاق بين الافراد.

يعزز السلوك الاحتوائي الحالة الايجابية في الممارسات الاجتماعية، نظرا للانطباعات الداخلية والخارجية، الناجمة عن قدرة منهج ”امتصاص“ السلوك العدائي، في وضع الامور في المسارات السليمة، لاسيما وان التعامل بالمثل ومحاولة تكريس مبدأ الانتقام، يدخل البيئة الاجتماعية في تصادم مباشر، الامر الذي يحدث حالة من الانقسام الداخلي، وادخال المجتمع في حرب ”نفسية“، واحيانا خصومات ”شخصية“، جراء تنامي ظاهرة السلوك العدائي، على حساب التعاملات ”الاحتوائية“، باعتبارها المنهج الاخلاقي الاكثر قدرة، على تجاوز الكثير من المطبات الخطيرة.

المنهج الثقافي يمثل مدخلا أساسيا، في بروز السلوك الاحتوائي، لاسيما وان المنطلقات الفكرية تدفع باتجاه الخيارات السلوكية، في الحياة الاجتماعية، بحيث ترجح كفة على أخرى، في الكثير من الممارسات اليومية، فاذا كانت المرتكزات الفكرية تميل الى العنف والانتقام، فانها تظهر في السلوك ”العدائي“، ورفض مختلف اشكال الحلول التوافقية والسلمية، بينما يطغى السلوك الاحتوائي على مجمل العلاقات الاجتماعية، بمجرد سيطرة المنهج التصالحي على المنظومة الثقافية، وبالتالي فان القناعات الشخصية، ومنهجية التفكير، تلعب دورا أساسيا، في تحديد السلوك الخارجي في الممارسات اليومية.

البيئة الاجتماعية تلعب دورا فاعلا، في سيطرة السلوك الاجتماعي، فالمجتمعات البشرية التي تعيش الحروب، والصراعات الدموية على اختلافها، تعزز الثقافة العدائية في الممارسات اليومية، بحيث تظهر على شكل العنف اليومي والمفردات التصادمية، باعتبارها الطريقة المناسبة للتعايش مع الواقع الاجتماعي، نظرا لعدم قدرة الثقافة السلمية، في الصمود بوجه تيار العنف السائد، فيما يكون السلوك الاحتوائي حاكما في البيئات الاجتماعية المتعايشة، خصوصا وان سيطرة الوئام الاهلي يفرض سلوكا، على الثقافة اليومية لدى مختلف الشرائح الاجتماعية، بمعنى اخر، فان التحرك بعكس التيار الاجتماعي، يتطلب الكثير من الجهد، والمزيد من العمل، وبالتالي فان محاولات فرض واقع على الثقافة الاجتماعية السائدة، يستدعي وجود قدرات، وامكانيات قادرة على احداث التغييرات الفاعلة، بهدف احداث تحولات قادرة على تكريس الحالة المعاكسة.

التعامل باحترافية عملية أساسية، في حصد النتائج الايجابية، فالسلوك الاحتوائي ممارسات عملية، وليس نظريات مدفونة في الكتب، وبالتالي فان محاولة الدخول في معركة السلوك الاحتوائي، مع التيارات الاجتماعية المختلفة، يستدعي التحلي بمزيد من الصبر، والقدرة على تحمل الصدمات على اختلافها، لاسيما وان السلوك الاحتوائي يتطلب التعامل مع جميع الشرائح الاجتماعية، من خلال انتهاج مبدأ ”أمرنا معاشر الأنبياء أن نخاطب الناس على قدر عقولهم“، مما يفرض دراسة الواقع الاجتماعي بطريقة ذكية، للتوصل الى الوسائل المناسبة لاكتسابها، ولجم الحالة العدائية، تمهيدا للسيطرة عليها، والتوصل الى هدنة، سواء كانت مؤقتة او دائمة.

ردود الافعال المتفاوتة تجاه السلوك الاحتوائي، يكشف التأثير الايجابي على المحيط القريب والبعيد، فالطبائع البشرية متفاوتة ومتباينة، مما يستدعي الاختيار المناسب، والتوقيت المثالي، لابراز السلوك الاحتوائي، من اجل الحصول على الاصداء المطلوبة، الامر الذي يولد حالة من ردود الأفعال، تجاه تلك الظاهرة السلوكية في البيئة الاجتماعية، فهي تتوزع تبعا للمستوى الثقافي، وطبيعية التفكير لدى مختلف الفئات الاجتماعية، حيث تكون سريعة المفعول في بعض الاحيان ”وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ“ واحيانا اخرى تعطي الاثر بعد فترة قصيرة، خصوصا وان البشرية تجد في السلوك الاحتوائي، ظاهرة تستحق الاحترام والتعامل بالمثل.

كاتب صحفي