آخر تحديث: 26 / 4 / 2024م - 9:08 م

انتحال في الزمن المكشوف «3»

عبد العظيم شلي

إذا كان ديدن شذاذ الأفاق والذين لا تعرف ملتهم ولا عناوينهم، اخترقوا حسابات الأخرين وتسببوا في نهب أموالهم أو ضياع وبعثرت محتويات صفحاتهم، ماذا عن انتحال فئات أخرى غير هؤلاء السراق الأشباح، هناك شخصيات بالاسم معروفة، نسمع عنها ما يشين، ينتحلون دون وجل أو خوف، عيني عينك يتاجر، أنهم فئات متحضرة، متعلمة، لها وزنها ومكانتها وثقلها في المجتمع.

فكم مرة كشف النقاب عن دكاترة أكاديميين سطو على رسائل طلابهم ونسبوها لشخصهم، شاطبين اسم الطالب المغلوب على أمره، بحوث علمية تم تبديل اسم الطالب وإحلال اسم الأستاذ سعيا منه لحيازة الرسالة مدعيا بها لنفسه من أجل الحصول على درجة أكاديمية أعلى، سراق كبار استولوا على جهد الصغار عنوة دون وجه حق، استقواء على الضعفاء بإمعان، دكاترة خانوا الأمانة العلمية، ونسبوا شيء لذواتهم وهم في حقيقة الأمر ليس لهم أثر يذكرإلا الإشراف على الرسالة لا أقل ولا أكثر، هذا ما فعله رسل المعرفة من تجرؤ لا يقبله لاعقل ولا منطق، إنه انتحال قسري!.

وهناك انتحال بالرضا يكون بين طرفين عن طريق المال، رسائل جاهزة تحت الطلب، تباع وتشترى، من أجل نيل شهادة عليا، طمعا للوجاهة الاجتماعية، أو الترقي في السلم الأكاديمي أو للحصول على مأرب أخرى.

حرف الدال انتهكت حرمته وشوهت سمعته وسط عمليات الانتحال مقابل حفنة مال ووجاهة زائفة.

وكم مرة قبض على شهادات مزورة داخل أروقة القطاعات الحكومية وغيرها، ضبط محكم تسرب سرا، ثم تفشى علانية، تساقطت اقنعة علم وهمية، مزقتها الأيام اربا اربا، تصغر نفس وتذل من أجل ادعاء فارغ، إنه انتحال في الزمن المكشوف.

يعرف ”الانتحال“ في معاجم اللغة بالآتي:

«بأنه الانتساب للشيء وتبنيه، أو ادعاء الشخص الشيء له وهو لغيره»،

وجاء تعريف ومعنى انتحل في معجم المعاني الجامع ما يلي: «انتحل الشيء: ادعاه لنفسه، وهو لغيره، انتحل فلان هذا الشعر/الرأي/ قصة/ عملا فنيا/ مؤلفات أديب/ وظيفة طبيب، إلخ...»،

وجاء أيضا، «انتحل جملا من كتاب وضمنها إنشاءه: أخذها واعتبرها من عنده، ادعى أنها له»،

وأيضا تعريف أخر، [انتحال] «مفرد» مصدر انتحل. محاكاة شخص للغة ومعاني مؤلف أخر وتقديمها كما لو كانت من بنات أفكاره».

وإن كان التعريف الأخير شائك وذو شجون، لأن هناك التأثير والتأثر، والتناص الأدبي، وكذلك انعكاس أسلوب أستاذ بارع على ثلة من الأقلام، وكذلك التقليد بنسب معينة، وايضا مسائل الاقتباس الذي تتراوح في حدود المعقول والمقبول، الإ إذا وقع الحافر على الحافر، فعندها نقول هذا انتحال أو سرقة في وضح النهار.

تعريفات الانتحال كثيرة ومتشابهة ومتقاطعة في ذات الدلالة، وكلها تتفق بأن عملية الانتحال هو ادعاء شخص لشيء ما ليس من جهده ولا من عمله وانتسابه لنفسه.

في عموم هذه الإشكالية الانتحالية القديمة الحديثة، ليست وليدة اليوم بل متجذرة منذ القدم وتتجدد في كل زمن، ولا تقتصر على أمة دون أمة، ولا على جماعة دون أخرى، آفة اجتاحت كل الامم، وابتليت بها كل الجماعات وتتردد في كل العصور على حد سواء.

هناك كم هائل من وقائع الانتحال في الزمن الغابر وفي هذا الزمان المكشوف الذي زاد فيه المنتحلون كذرات الغبار، سطوا على كل شيء، ولوثوا أكسجين الحياة.

دعوة مفتوحة لنتفس عن كل ما يريب قدر المستطاع.