آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 2:22 م

السلوك التصادمي

محمد أحمد التاروتي *

يحاول البعض تعويض الاحساس بالنقص بالاعتداء واثارة المشاكل على الدوام، انطلاقا من قناعات ذاتية بضرورة اثبات الذات عبر المشاغبة الدائمة، لاسيما وان النظريات الرياضية تحث دائما، على اختيار مبدأ ”خير وسيلة للدفاع الهجوم“، مما يحفز هذه الشريحة على السلوك التصادمي، والعمل على الدخول في مهاترات، ومناكفات مع الصغير والكبير، خصوصا وان السلوك التصالحي يكشف هذه الفئة، ويضعها في المكان الحقيقي، وبالتالي فان التصادم يمثل الوسيلة المثلى، لاخفاء النواقص الحقيقية.

السلوك التصادمي سلاح ذو حدين، فهو وسيلة لاظهار السطوة وابراز العضلات على الضعفاء، مما يحدث حالة من الاعتزاز والغرور الذاتي من جانب، وممارسة خطرة للغاية وغير مضمونة النتائج من جانب اخر، خصوصا وان التصادم مع الكبار يقود الى الخروج من المعركة بانتكاسة مدوية، الامر الذي يفسر حرص هذه الشريحة على التصادم مع الضعفاء، والابتعاد عن التحرش بالاقوياء، نظرا لامتلاك الاقوياء اوراق رابحة، وحاسمة في المعركة، مما يفسر كيل المديح الذي تنشره هذه الشريحة، على الاقوياء في مختلف المناسبات، بهدف تحاشي الدخول في مصادمات مباشرة، انطلاقا من قناعات راسخة بنتيجة المعركة سلفا.

الاذان الصاغية لهذه الشريحة احدى الامراض الكبرى، في الاستمرار بالسلوك التصادمي، فهذه الفئة ليست قادرة على العيش ذاتيا، والتحرك بقرارات شخصية، في كثير من الاحيان، مما يدفعها لمحاولة الاستعانة بظهر قادر على حمايتها، عند التورط مع البعض، الامر الذي يدفعها للحرص على تنفيذ التوجيهات الخارجية، والتحرك بتلك الارشادات ”الخاطئة“ دون تفكير، او محاولة تحليلها ودراستها بطريقة واعية، مما يفسر الدخول في مصادمات متعددة، وغير متوقعة على الاطلاق، بمعنى اخر، فان اختفاء تلك الاطراف المحرضة، يضع اصحاب السلوك التصادمي، في مواقف صعبة، واحيانا يدفعها لتقديم التنازلات، ومحاولة ترميم العلاقات بطريقة مباشرة او غير مباشرة، بسبب الخشية من التعرض للانتقام من الاطراف المتضررة من المصادمات السابقة.

انصار السلوك التصادمي لا يعدمون الوسيلة لاثارة المشاكل، حيث يحاولون تضخيم الأمور، واخراجها من سياقها، بهدف ادخال الاطراف في المواجهة المباشرة، خصوصا وان التصادم يمثل الاوكسجين، الذي يمدهم بالحياة بالمجتمع من جانب، واظهار القوة واخافة الاخرين من جانب اخر، وبالتالي فان نقل الخلافات الصغيرة الى الواجهة الاجتماعية، احدى الاساليب المتبعة في طريقة معالجة الامور، لاسيما وان التحركات الهادفة لترطيب الأجواء، واعادة العلاقات لسابق عهدها، لا تجد استجابة من لدن اصحاب السلوك التصادمي، جراء الشعور بالقدرة على توجيه الضربات القوية للاطراف الضعيفة، بيد ان الامور تنقلب رأسا على عقب، بمجرد الشعور بتحول ميزان القوى، لصالح الاطراف الاخرى، مما يدفع اصحاب السلوك التصادمي للدخول في السلم، للخروج من المأزق، ومحاولة الحفاظ على ماء الوجه.

التحرك باتجاه اثارة المشاكل في البيئة الاجتماعية، ومحاولة تكريس ثقافة السلوك التصادمي، عملية خطيرة وغير صحية على الاطلاق، خصوصا وان تدمير العلاقات الاجتماعية يحدث خللا كبيرا، في المفهوم الفكري القائم على التعاون المشترك، الامر الذي يعزز الاتجاهات العنفية في البيئات الاجتماعية، خصوصا وان السلوك التصادمي يحدث ارتدادات، وتموجات تتجاوز الاطار الضيق احيانا، بحيث تخترق الكثير من القناعات الراسخة، لدى بعض الفئات الاجتماعية، لاسيما وان رسم صورة معاكسة للسلوك التصادمي، يؤثر على بعض الفئات الباحثة عن الظهور، وتبوأ المواقع الاجتماعية، مما يدفعها لمحاولة التقليد، والعمل على ايجاد موطأ قدم في المجتمع، عبر انتهاج الهجوم المباشر على الاخرين، كنوع من اظهار الذات ولفت الانتباه.

يبقى السلوك التصادمي ظاهرة ”سرطانية“ تدمر الجسم الاجتماعي، باعتباره ممارسة غير صحية على الاطلاق، خصوصا وان النجاحات المؤقتة لهذه الممارسات، تدفع البعض لمحاولة اختيارها، كمنهج حياتي في التعاملات اليومية، مما يعزز من حضورها في المنظومة الثقافية، لدى بعض الفئات الاجتماعية، بحيث تمهد الطريق امام مزيد من الخلافات، والكثير من الانقسامات في الجدار الاجتماعي.

كاتب صحفي