آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

كيف تستعد للآخرة بمنظور الإمام السجاد (ع)

ورد عن الإمام السجاد : «يا ابن ادم إنك ميت ومبعوث وموقوف بين يدي الله عز وجل ومسؤول، فأعد له جوابا» «بحار الأنوار ج 70 ص 64».

الاستعداد للميعاد تحمل لمسئولية ما يتفوه به الإنسان ويتخذه من مواقف وتصرفات في الدنيا، فالحياة الدنيا وإن كانت تلقى من المغترين بها كل علامات العشق والافتتان وحب الخلود في زينتها، إلا أن كل ذلك لا يخفي حقيقتها على أولي البصائر والألباب، فما هي إلا سراب تتمسك به النفوس المتعطشة لنيل حطام زائل، حتى إذا انقشعت تلك الغمامة حين حلول الأجل تبين للمرء من أبناء الدنيا زيف أمانيه فيها، كما عبر القرآن الكريم عن الدنيا بأنها مجرد لعب ولهو في حقيقتها الخافية على أهل المطامع، فالحياة وما فيها بالنسبة للفرد من أحداث ومشاعر ومحطات متعددة ليست بأكثر من لعبة في يد طفل سرعان ما يمل منها ويتركها، فهي لا تستحق كل ذلك الاهتمام والرعاية والشغف بها وقضاء جل الأوقات من أجل البناء المنقضي والآيل للتلاشي فيها، وما ينبغي صرف الاهتمام والوقت والجهد له هو الاستعداد ليوم الحساب على ما قدم العبد من عمل في الدنيا، ولا وجه للمقارنة بين الدنيا والآخرة من أي جهة كانت، فالآخرة دار أبدية لا اضمحلال لها ولا اختفاء، وسيواجه فيها العبد محكمة العدل الإلهي التي لا يغادر ولا ينسى فيها شيء مما عمله أو قاله في الدنيا، ولذا يضعنا الإمام السجاد على بساط الفهم والوعي لما بعد عالم الدنيا المؤقت، فهناك أمور جزمية ينبغي وضعها في دائرة الاهتمام والحسبان والتعامل بمقتضاها بكل جدية وحزم، فالإيمان باليوم الآخر لا يتناسب معه تماما الهزل واللامبالاة والغفلة والتقاعس، فإن الموت أمر حتمي يصدقه ويجزم به الوجدان ولا مجال لأدنى الشك بحلوله فهذا الوجدان يشاهده يحل في كل يوم بالأقرباء والمعارف والآخرين، ومن لا يعرف ما كتبه الله تعالى له من أيام عمره لا مجال عنده للتسويف وتضييع الأوقات كلها في اللهو واللعب، فضلا عن الاحتطاب على ظهره من الآثام والخطايا التي لا يتحمل تبعاتها ونتائجها الكارثية والخطيرة على مصيره الأخروي، فالبعث في يقينيته كمرحلة أولى لعالم الحساب ينشأ من الإيمان بحكمة الخالق عز وجل الخالية من أي عبث، ويا لأهوال يوم الحساب وما يرافقها من عرض كتاب الأعمال الذي لا تخفى فيه خافية، وميزان الحساب هو عمل العبد وما قدمه بلا جور وحيف عليه أبدا.

فكيف يكون حاله وقد فتحت أمام عينيه صحيفة نقائصه وخطاياه وما استكمله أيام عمره من أوقات قضاها في المعصية ظانا أنه مستخف عن أعين الرقابة الإلهية لاختبائه عن أعين الناس، أفلا يعلم أن هناك من يراقب أعماله ويشهد عليه وهو منه وفيه، أي جوارحه تنطق بشهادتها التفصيلية لكل فعل سيء ارتكبه ومارسه خلسة ولا يستطيع حينئذ إنكارها ولو بكلمة واحدة، فضلا عن وجود الشهود المتعددين عليه من الملائكة الكرام والأنبياء والأرض التي كان يمشي عليها.

لقد أهلكتهم الغفلة والاسترسال في الاستجابة للشهوات والأهواء دون أن يدركوا العواقب الوخيمة لذلك، وكفى بمشهد الفضيحة أمام الملأ من الأولين والآخرين في يوم القيامة لمن أدمن المعصية دون ارعواء عظة وزاجرا، فله أن يتخيل مشهد نطق جوارحه وشهادتها بما فعل من سيئات فتظهر خبيئته القبيحة وصورته المخزية الحقيقية، فيتكشف منه كذبه واحتياله وممارساته الجائرة وقول السوء في حق الآخرين وهتكه لأعراضهم.

الاستعداد للحساب في يوم القيامة يبدأ من لحظة الاستدارة التامة عن طريق الشيطان الرجيم ووساوسه وإدراك عواقب متابعته، إنها اليقظة الروحية التي تفرغ من ذهنه صور الآثام التي دغدغت مشاعره وزينتها الفتانة إحدى وسائل مكر الشيطان به، ولينتقل إلى طريق التوبة والندم على ما مضى والاعتراف بتلك الذنوب الجسام التي قارفها، ويبدأ رحلة التغيير الإيجابي بكل عزم وقوة، ويطهر نفسه من المشاعر السلبية تجاه الآخرين والتي هي إحدى خطوات الشيطان لزرع الكراهية والحسد في قلبه، حينئذ تنبت زهرة الوعي والرقابة في قلبه فيتجافى زينة دار الغرور والافتتان بها، فإن هذه الدنيا الزائلة لا تستحق كل ذلك الاقتتال واللهث خلف مظاهرها، والذي يوقع الإنسان في الخطايا وارتضاء النواقص والعيوب.