آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 10:36 م

حكاية فزّاعة «قصة قصيرة»

موسى الثنيان

«1»

الفزّاعة:

لم أعد أخيف العصافير، والغربان صارت تنقر ساقي الخشبية، لم يعد لي وظيفة سوى طمأنة الطيور أن حارس الحقل قد غادر المكان وأن هبّوا وكلوا هنيئا مريئا.

«2»

الفزاعة:

أقف ليل نهار بلا كلل أو ملل

أحرس بدون أجرة

وبلا ملابس جديدة غير التي ألبسها

ممزقة

ورديئة

لا أدري ربما أن حارس الحقل الذي اشترى له ثيابا جديدة قد اشتراها من ثمن الزروع التي أحرسها

أم أنها لميت ورثها عنه…

«3»

الفزاعة:

أقف فاتحا ذراعيّ مستقبلا الأحوال الأربعة شمس، برد، مطر، رياح كلها تضرب جسدي الخشبي النحيف.

وقبعة الخوص التي تعتمر رأسي تعبث بها الغربان والعصافير معا وقد بدت تبرمها قبل أن تأكل من بذور الحقل دون خوف

متى استطيع أن انتشل ساقي الخشبية من التربة وأتحرر من هذه الأرض؟

أريد أن أجرب المشي، والقفز معا… واستلقي على العشب

أركض خلف الشمس …

أريد زاوية جديدة للنظر «فوق، تحت، يمين، يسار» غير الحال الذي أقف عليه منذ سنوات طويلة.

«4»

الفزاعة:

في الليل يأتي اللصوص

يسرقون بعضا من الرطب

ومن شروب الزروع شتلة أو شتلتين

كي لا تلتفت إليهم … إنهم لصوص أذكياء

يسرقونك على هون كي لا تلحظ

ثم يجلسون ويثرثرون حول مواضيع شتى

حاولت مرات ومرات إخبارك

لكن رأسي المصنوع من القش لا يملك لسانا كي يقول

وفي النهار يأتي الصبية يقذفون رأسي بالأحجار، ثم يلهون باللعب بالكرة

تأتي الكرة عند ساقي الخشبية أحاول ركلها قبل وصول الصبي إليها كي لا يفعل ما اعتاد فعله

ولا يتورع عن بصقة على وجهي ألا يكفيني ما تفعله الغربان من إلقاء فضلاتها فوق قشة رأسي وعلى سترتي …لم تعد لي تلك السيادة على الحقول، وما عدت ذلك الحارس الذي يؤتمن

لم يبق لي سوى هذا الوطن الحقل.

«5»

الفزاعة:

مركزي هو وسط الحقل

والعصافير والغربان لم تعد تبالي بي

إنني أكذوبة الفلاّحين

ها أنا أرى الفلاح يدخل وهو يدفع بعربته التي تحوي فأسه وطعاما للأبقار

لكني أراه يتوقف وهو ينظر إليّ نظرة غريبة لم أرها من قبل، يحمل فأسه ويتقدم نحوي.

الفأس الذي يبرق بأشعة الشمس بدا وكأنه لن يهوي للأرض

بل يقصدني لينتشلني من الأرض إن صدق ظني؛ فالأمنية ستتحقق

يا لفرحتي! شعرت بأن الأرض لم تعد تحملني من فرط الفرحة

جاء الفلاح وبحركة خاطفة هوى بفأسه على ساقي الخشبية الرقيقة فقطعها بضربة واحدة…فسقطتُ على الأرض من غير جلبة أوصوت، فجسدي أضعف من أن يحدث صوتا…

بعدها حملني على كتفه، وجاءت الطيور تحلق فوق رأسي وتزقزق، شعرتُ أنها تشيعني في جنازة بنشيد زقزقتها الحزينة..

لا تبكي عليّ أيتها الطيور فأنا في سعادة الآن…

أدخلني إلى مخزن قديم في الحقل وألقى بي في ركن قصي…

كان المكان قديما، العناكب تنسج بيوتها في المكان، وأرى الفؤوس المكسورة ومعاول قد انتشر الصدأ فيها، كل شيء بد قديما ومنسيا …!!

وعموداً من ضوء الشمس قد تمكن من أن يتسلل إلى المكان من شرخ صغير في الجدار الخشبي ليبدد الظلمة

بدأ شعور غريب يساورني لا أدري ما هو!!!

«6»

في الركن القصِي من المخزن

بدأ يساورني شعور غريب

ضيق، فرح، كآبة، سعادة

هذا الخليط من المشاعر هو حقا ما أشعر به

لم أستطع تحديد شعوري الدقيق من حريتي التي طالما حلمت بها،

فالحرية جاءتني تسعى بخطى سريعة، هل غنت العصافير إلى الفلاح بأحلامي؟!

هل عزفها العشب؟!

هل حدثته حقول الذرة وكروم العنب وأشجار اللوز بأسراري وآلامي؟

حاولت أن أتخلص من خليط مشاعري…

كلما تذكرتُ حريتي وفرحتُ داهمتني وحشة لا أستطيع مقاومتها

بعد محاولات اجتاحتني الوحشة والظلام وتلاشى الفرح والضياء

بدأتُ افتقد العصافير وهي تحلق فوق رأسي

والغربان وهي تندسّ في حقول الذرة ثم تأكلها فوق ساعدي الممدود

اشتقتُ إلى همس النباتات الصغيرة التي نبتت تحت ساقي الخشبية

ما هذه الحرية التي حرمتني من كل أصدقائي

كنتُ مخطئا في فهم معنى الحرية، فما أنا فيه إلا قبر يقصيني

عن النور وعن الوطن..

فُتح الباب، فإذا بي أرمق من بعيد مجسم لفزّاعة أخرى قد نصبت للتو

كانت بقبعة حمراء صوفية وثوب أنيق

بدت الفزاعة الجديدة مسرورة بالمكان

وبالطيور والعشب.

بينما أناغرقت في الظلام

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
عبدالباري الدخيل
[ تاروت ]: 27 / 3 / 2021م - 12:35 م
الله عليك ايها المبدع المتألق