آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

حتى لا يُصبح الموظف الماهر الأمين نسخة من الفاسد

المهندس أمير الصالح *

حذرت بعض الأحاديث النبوية الشريفة من طلب الزواج بمن نشأت أو نشأ في مجتمع متفسخ الأخلاق بحيث انطبعت تلكم الطبائع السيئة بها/ به وإن كانت/ كان جميلة «جميل» القوام وممشوقة «ممشوق» الطول وجذابة «جذاب» المظهر. وكان هذا التحذير مدعاة لكل شخص حريص ومتأمل وممن يود التقيد بتعاليم أهل الحكمة والوفاء، أن يتوخى كامل الحذر عند البحث له أو لأحد أبنائه عن زوجة أو عند إعطاء الموافقة باقتران أحد بناته بزوج. هكذا كانت السائد من حدود توظيف الحديث الشريف في التحذير عند التعاطي للشأن المذكور. وأرى شخصياً أنه يمكن توظيف ذات التحذير عند الاقتران مع الآخرين بأي مجال به عقود وليس الزواج فقط.

“العقود شريعة المتعاقدين”أو هكذا يُقال. إلا أن التحذيرات التي تبرز عند عقد الحسابات والسيناريوهات لأشكال التخارج التي قد تسبق الدخول مع أي طرف في أية شراكة أو عقد عمل أو إنجاز مصلحة تتطلب دراسة مبدئية تشمل الحالة النفسية والأمانة قبل الولوج في تلكم العلاقة العقدية. ما أشعل هذا المقال في رأسي هو أنه أثناء إنجاز أعمال صيانة منزلية تمحصت التفكير في دراسة سلوك العمالة الأجانب من جنسيات متعددة وديانات مختلفة وأعراق متناثرة أثناء وبعد صدمة جائحة كورونا القائمة حالياً. ودونت عدة ملاحظات قد يستفيد منها بعض القراء الكرام عند التعاطي مع العمالة من مقاولي الصيانة المنزلية أو خدمات الصيانة أو خدمات ذات العلاقة:

فترة بزوغ الكورونا، طرأ سلوك طبيعي من الهلع في صفوف معظم العمال الأجانب بكل أطيافهم ومنابعهم ومنها:

- الاستجداء من قبل بعض العمالة للمال

- الهلع المفرط وتوظيف صفة الاغتراب لجني التعاطف من أبناء الوطن

- استغلال الشعور السائد بمجهولية تدحرج الأحداث وطلب المساعدة المالية والعينية من بعض العمال الأجانب بشكل ملح.

مع توقع أفق الانفراج، وبعد بروز اللقاحات الطبية لمعالجة فيروس كورونا وتحسن الأجواء:

- تزايد نسبة ادعاء الكذب وانتحال المرض بين صفوف العمالة الموظفين بالراتب.

- ازدادت نسبة المماطلة في الإنجاز لموظفي المؤسسات الخاصة.

- تعمد بعض المؤسسات إبرام أكبر عدد من العقود مع الزبائن لتحصيل سيولة نقدية مقدماً وتعليق أكثر من زبون بعقود شبه مفتوحة الآجال الزمنية.

- في كثير من الأحيان، ينتاب الزبون بأن العامل الأجنبي هو صاحب المصلحة الفعلي نظراً لأنه هو صاحب الكلمة الفيصل في الأسعار وإعادة التقييم وتقبل أو رفض أي نقاش يتعلق بالعقد.

- ازداد معدل عدم الاكتراث بتبعات عدم احترام المدد المحددة والجداول الزمنية. المدونة بالعقود والتعويل على عذر الكورونا أو التورط بعدم عودة العمال الخارجين لإجازتهم من بلدانهم.

- رفع رسوم الأيدي العاملة ومتاجرة صاحب المؤسسة عند ملاحظته إقبال الناس على الفنيين الذين يعملون بمؤسسته.

مع الأسف بعد لواح انفراج أزمة الجائحة، لاحظ الأغلب ممن لديهم احتكاك بسوق الأعمال تلوث العامل الفني المتقن والأمين في أداء عمله بأساليب المخادعين والملفقين من الإداريين القادمين من دول لا تحترم بنود العقود. وهذا الأمر لايخص فقط أعمال السباكة والتكييف وأعمال تنظيف الصرف الصحي وأعمال الديكور والأصباغ بل أضحى ملحوظا بشكل سافر في كثير من القطاعات الخدمية والتجارية. مثال ذلك: يركب فني التكييف عدد ثلاث براغ لتثبيت جهاز كمبروسور المكيف سبليت بدل الأربعة، أو إتمام أعمال السباكة من قبل فني السباكة دونما وضع غراء كاف أو دون وضع تيب مانع تسريب طمعاً منه بحدوث تسريب بعد عدة أشهر في ذات التوصيلات ويتم استدعاءه للإصلاح! أو رفع سعر طبق البيض بسعر يقارب 25 ريال.

كنت أتساءل: متى حدث ذلك التغيير في سلوك بعض الفنيين الأمناء والباعة الأوفياء؟

لم أجد تفسيراً شافياً وافياً، إلا أن التحليل الأقرب للواقع من منظوري الشخصي هو أن فترة العزل الصحي الوقائي الطويلة جعلت التفاح العفن يفسد التفاح الصالح. أي أن فترة العزل الصحي الوقائي اجتمع بعض العمال الأمناء اضطراراً مع العمال الفاسدين. وانتقلت لهم بعد ذلك بكتيريا الفساد السلوكي واكتسبوا أساليب النصب

واستزرع الفاسدون في أنفس الصالحين شعار ”البلد اللي ماحدش يعرفك فيها، شلح وأجري فيها“.

أتطلع شخصياً مع إطلاق برنامج شراكة الرقابة بين القطاع العام والقطاع الخاص أن يتم لجم المستغلين لظروف الأزمات، واللعب بالأسعار بمسميات العرض والطلب تارة وتارة أخرى بمسميات أخرى. نحن نعلم ونتفهم ارتفاع رسوم الإقامات للعمال والتراخيص الرسمية ونتفهم أيضاً ارتفاع ضريبة القيمة المضافة وعليه استوعبنا التغيير في الأسعار يومذاك وتم التكييف معه. إلا أن الواضح أن هناك استغلال واضح من قبل العمالة الأجانب بشكل شره جداً ونامل أن يُكبح ذلك السلوك بتظافر جهود الجميع من مواطن ومسؤول. لعل الأسعار الصاروخية الفلكية لبعض الخدمات تثير القلق لدى البعض من ناحية الأسعار، إلا أن هذا الأمر يتعداه إلى أنه يؤثر تاثيراً كاملاً على هيبة العملة الوطنية ويذوب القوة الشرائية لها، ولذا يجب الوقوف له بالمرصاد وتداركه بأسرع وقت ممكن.