آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:00 م

البرزخ عالم اللاعودة

نجاة آل إبراهيم *

﴿وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ. المؤمنون - 100

يفرحُ كثير من الأشخاص عندما يمضون عمرهم في البحث عن كنوز ومكنونات الأرض، واكتشاف المجهول في الغابات والبحار، بل وحتى الفضاء وهذا مطلوب ويُثلج الصدر حقاً، ولكن الاكتشاف الأعظم والفرح الكبير هو عندما يَكتشف الإنسان العالَم الذي سوف يعيش فيه السعادة والكمال، حتى يُهيئ نفسه لذلك العالَم فيكون على بصيرة وثبات من أمر دنياه وآخرته.

عالَم البرزخ من العوالم المجهولة بالنسبة لنا لذلك نحن نعيش القلق والخوف منه، لأننا نخاف المصير المجهول، أما إذا تعرفنا عليه فسيزول هذا الخوف ويتبدل من الوحشة إلى الاستئناس.

كثيرة هي المعلومات الواردة عن عالم البرزخ ولقد حاولت الجمع بين روايات أهل البيت وبين ماأكده أساتذة العلم الروحي للخروج بهذه الرؤية:

خصوصيات عالم البرزخ:

• بالنسبة للزمن هناك فهو نسبي حيث يتوقف الاحساس بسرعة مروره، أو ببطئه، على ظروف الحياة من ناحية السعادة أو الشقاء، فالمؤمن لايشعر بطول المكث فيه لما يلاقيه من نعيم وفرح بخلاف الكافر فإنه يشعر بأن فترة البرزخ طويلة لما يلاقيه من عذاب وآلام.

• أرواح البشر بعد ترك هذه الدنيا تدخل أجساماً لطيفة ألطف حتى من الهواء، سامية عن آثار هذه المادة القذرة إلا أنها على شكل أجسامنا ويقال لكل منها «الجسم المثالي» وهو يشبه الروح في أثناء مايراه النائم من الحركة والمشي والذهاب والإياب، فالنائم يذهب بهذا البدن المثالي الذي ينفصل عن بدنه الجسماني أثناء النوم بصورة مؤقتة وأثناء الموت يكون الانفصال بصورة كاملة.

• مدّ البصر

﴿فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ق - 22

دلالة عن سعة المكان الذي يعيش فيه، حيث أن الروح تتنقل إلى أي مكان حسب تردد ذبذباتها، وقد يكون حسب بصيرته وإدراكه، أي كُلما كان كامل الإيمان وعارفاً لأمر دينه وموالياً لأولياء الله زادت سعة الإحاطة العلمية لديه، وبالتالي يرتفع مقامه ومنزلته.

• توجد هناك نفس المناظر الطبيعية التي نشاهدها هنا من جبال وبحار وحياة نباتية.

• إن للأرواح المؤمنة الطاهرة حياة في عالم البرزخ أعلى وأسمى من حياتهم الدنيوية المشوبة بالإبتلاءات والمنغصات.

•• الروايات تؤكد على أنهم يُرزقون من دون كد ولا تعب ويفرحون بنعمة الله وفضله فرحاً لاحزن معه ويتبشرون بما أعد الله لهم من قرة أعين.

يُروى في‌ «الكافي‌» بسنده‌ المتّصل‌ عن‌ أبي‌ بصير، عن‌ الإمام‌ الصادق‌ ‌، قال‌: سَأَلْتُهُ عَنْ أَرْوَاحِ الْمُؤْمِنِينَ؛ فَقَالَ: فِي‌ حُجُرَاتٍ فِي‌ الْجَنَّةِ يَأكُلُونَ مِنْ طَعَامِهَا وَيَشْرَبُونَ مِنْ شَرَابِهَا وَيَقُولُونَ: رَبَّنَا أَقِمْ لَنَا السَّاعَةَ وَأَنْجِزْ لَنَا مَا وَعَدْتَنَا وَأَلْحِقْ آخِرَنَا بِأَوَّلِنَا".

•• كما ذكرت الروايات أيضاً أنهم «يتزاورون ويتلاقون ويتحدثون ويعقدون حلقات للعلم» فإنه في البرزخ يزداد استعدادهم تبعاً لزيادة فهمهم وإدراكهم، وأن التعليم الذي فات الإنسان في الدنيا يدركه في البرزخ لأن الأسباب التي حالت دون تعليمه في الدنيا ترتفع في عالم البرزخ.

كما أنه عند التلاقي تتعارف أرواحهم وتتآلف وتتساءل عن أقربائهم وأهلهم ويلتئم هناك شمل الأسرة من جديد في الحديث عن الصادق أنه إذا قدمت الروح على الأرواح يقول: دعوها فإنّها قد أقبلت من هول عظيم، ثمّ يسألونها ما فعل فلان وما فعل فلان، فإن قالت لهم: تركته حيّاً، ارتجوه، وإن قالت لهم: قد هلك، قالوا: قد هوى هوى". بمعنى انه قد ذهب الى جهنم البرزخي حيث لم يأتِ إلى هنا «الجنة البرزخية».

•• تؤكد الروايات أن الأرواح على اتصال بالأحياء، فهم يزورونهم في كل فترة حسب منزلتهم، وصدور الإذن لهم.

عَنْ أَبِي عَبْدِ الله الصّادِق «عَ» قَالَ إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيَزُورُ أَهْلَهُ فَيَرَى مَا يُحِبُّ وَيُسْتَرُ عَنْهُ مَا يَكْرَهُ وَإِنَّ الْكَافِرَ لَيَزُورُ أَهْلَهُ فَيَرَى مَا يَكْرَهُ وَيُسْتَرُ عَنْهُ مَا يُحِبُّ قَالَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَزُورُ كُلَّ جُمْعَةٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يَزُورُ عَلَى قَدْرِ عَمَلِهِ.

•• حياة البرزخ من العوالم التي توصل الإنسان إلى كماله اللائق به، ليدخل بعد ذلك محشر القيامة بكماله الواقعي، فمن كان مؤمنا ويرتكب المحرمات والذنوب في الدنيا فإنه يعذب في البرزخ كي يُطهر من آثار هذه الذنوب والخطايا.

•• التخاطب يكون هناك بالتلباثي «التخاطر العقلي» أي التفاهم بالفكر والأحاسيس والمشاعر والتخيلات الذهنية لا بالأصوات.

والتخاطر أو التلباثي هو مصطلح صاغه فريدرك مايرز عام 1882 ويشير إلى المقدرة على التواصل ونقل المعلومات من عقل إنسان لآخر، أي أنه يعني القدرة على اكتساب معلومات من أي كائن واعي آخر، وقد تكون هذه المعلومات أفكارا أو مشاعر أو غير ذلك

مثال: تقنية البلوتوث التي تعتمد على نقل الملفات والبيانات من جهاز إلى جهاز آخر عن طريق الموجات وبدون أسلاك، كذلك هو التخاطر بالتلباثي فهي استقبال للطاقة الصادرة من عقل أي شخص وتحليلها في عقل المستقبِل أي أنه يُدرك أفكار الآخرين ويعرف مايدور في عقولهم.

ففي البرزخ لايمكن لإنسان أن يُخفيَ نواياه وتصرفاته لأن ملكة التخاطر تكشف لكل إنسان عن نوايا الآخرين.

رسالة محبة: إن «معرفة الطريق» ومافيها من انبساط واعوجاج يساعد الإنسان على تهيئة نفسه لتلقي الحوادث المرتقبة مما يجعل ذلك هيناً على النفس، كذلك «معرفة الموت» ومابعده يساعدنا على تلقيه بصدر رحب ونفس مطمئنة ومشتاقة. ومن دون فهم الموت لن نفهم الحياة لأنه أصلها وعلّتها.

وكما يُقال لابد أن: نفهم فقه الموت حتى نُتقن فن الحياة.

المصادر:

• ميزان الحكمة

• عالم الأرواح العجيب - الأستاذ الشيخ حسن الأبطحي

• أضواء علمية جديدة على الحياة بعد الموت - السيد حسين نجيب محمد
مسؤولة اللجنة النسائية في جامع الإمام الرضا بصفوى