آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

وَصْمَةُ كُوفِيد وَفَيْرُوسُ الْكَرَاهِية

الدكتور أحمد فتح الله *

وصمة كوفيد «COVID Stigma»

أثار تفشي فيروس كورونا، كوفيد-19 «COVID-19»، الحالي وصمة العار الاجتماعية والسلوكيات التمييزية ضد أشخاص من خلفيات عرقية معينة، وكذلك ضد أي شخص يُعتقد أنه كان على اتصال بالفيروس أو مسببًا أو ناشرًا له، مما أدى إلى صحوة العنصرية والطائفية من سباتهما أو خمولهما.

تغريدة دونلاد ترامب، الرئيس السابق للولايات المتحدة الأمريكية، ووصفه فيروس كورونا ب ”الصيني“، وكرر هذا الوصف في لقاءَاته وتصريحاته طوال عام 2020م، بدت خلافًا لغويًّا، عاود بين فترة وأخرى أثناء فترة ولايته ولا زال حتى الآن بعد رحيله. لكن هذه ”اللعبة السياسية“ عبر ”اللغة“، كانت «ولا تزال» لها أبعاد نفسية واجتماعية خطيرة، وهي ما تعرف ب ”الوصمة الاجتماعية“ «Social Stigma». وشعورًا بأخطار هذه الظاهرة نفسيًّا واجتماعيًّا، وتناسقًا مع معاييرها لتسمية ووصف الأمراض والأوبئة، نشرت منظمة الصحة العالمية «WHO»، ومنظمة اليونيسف للأطفال، «UNICEF، FOR CHIRLDREN»، والاتحاد العالمي للصليب الأحمر والهلال الأحمر «IFRC»، نشرت في 24 فبراير 2020م، دليلًا لمنع ومعالجة الوصمة الاجتماعية المرتبطة ب كوفيد-19، حملت العنوان التالي: ”الوصمة الاجتماعية المرتبطة ب COVID-19“: دليل للوقاية من الوصم الاجتماعي ومعالجته «تتضمن توصيات مركز جونز هوبكنز لبرنامج التواصل، شبكة READY»، مؤكدة فيه أن الجمهور المستهدف هو: الحكومات والإعلام والمنظمات العاملة على مرض فيروس كورونا الجديد «كوفيد-19».

تعريف الوصمة

الوصْمَة في اللغة، فَعْلَة من الجذر العربي: وَصَمَ، ويقال: ما فيه وصمةٌ، أي عيب، والْوَصْمُ: الْعَيْبُ وَالْعَارُ «مختار الصحاح»، وقد جمعها كتاب «الألفاظ المختلفة في المعاني المؤتلفة» في باب العيب مع: ”الْعَار والشنار والضيم وَالصغَار والشين والمنقصة والشنة والوكف والذم والخزاية والإزراء والمخزاة والسوءة والابة والجنف والمجنة والوصم“.

وفي اللغة الإنجليزية، Stigma تعنى علامة العيب أو المنقصة، وأصلها أثر الجرح الناتج من الحرق بحديد حامٍ، كالوسم عند العرب، وهو أثر الكي بالميسم للتعريف، والسمة هى العلامة.

أمَّا الوصمة الاجتماعية، وفي سياق الصحة، حسب منشور منظمة الصحة العالمية، المذكور أعلاه، يراد بها الارتباط السلبي بين شخص أو مجموعة من الأشخاص الذين يتشاركون في خصائص معينة ومرض معين. في حالة تفشي المرض، قد يعني هذا تصنيف الأشخاص، و/أو وضعهم في قوالب نمطية، والتمييز ضدهم، وعلاجهم بشكل منفصل، و/أو فقدان المكانة بسبب ارتباطهم المتصور بمرض ما. يمكن أن يؤثر هذا الوصم سلبًا على المصابين بالمرض، وكذلك مقدمي الرعاية والعائلة والأصدقاء والمجتمعات. الأشخاص الذين لا يعانون من المرض، ولكنهم يشتركون مع هذه المجموعة في خصائص أخرى، قد يعانون أيضًا من الوصم.

مثبتات الوصمة

يعتمد مستوى ”وصمة العار“ المرتبطة ب COVID-19 على ثلاثة عوامل رئيسية:

1» إنه مرض جديد ولا يزال هناك الكثير من الأشياء المجهولة عنه.

2» غالبًا ما يخاف الناس من المجهول.

3» من السهل ربط هذا الخوف ب ”الآخرين“.

وحدوث ارتباك وقلق وخوف بين الجمهور العام، أمر متوقع ومتفهم، وتعمل هذه العوامل على تغذية الصور النمطية السلبية والضارة أيضًا.

تأثيرات الوصمة

يمكن للوصمة أن تقوض التماسك الاجتماعي وتؤدي إلى العزلة الاجتماعية المحتملة للمجموعات، مما قد يساهم في وضع يكون فيه الفيروس مرشحًا أكثر، وليس أقل، للانتشار والتمدد، مما يؤدي إلى مشاكل صحية أكثر حدة مع صعوبات في السيطرة على تفشي المرض. يمكن للوصمة أن:

- تحث الناس على إخفاء المرض لتجنب التمييز.

- تمنع الناس من طلب الرعاية الصحية على الفور.

- تثنيهم عن تبني السلوكيات الصحية.

الوصمة واللغة

ونظرًا لدور الكلمة الإيجابي أو السلبي على سامعها أو قارئها، طالب المنشور المذكور في الحديث عن ”أزمة كورونا“، الابتعاد عن بعض الكلمات، مثل ”حالة الشك“، و”العزلة“، وغيرها، لمعانيها السلبية عند بعض الأشخاص، ولتغذيتها مواقف الوصم. واللغة، بمثل هذه الكلمات وغيرها، تؤدي إلى إدامة الصور النمطية أو الافتراضات السلبية الموجودة، وتقوية الروابط الخاطئة بين المرض والعوامل الأخرى، وخلق خوف واسع النطاق، أو تجريد الأشخاص المصابين بالمرض أو الموصومين من إنسانيتهم. وكل هذا يؤدي إلى ابتعاد الأشخاص المصابين عن الخضوع للفحص والاختبار والحجر الصحي.

لهذا، فإن استخدام لغة شاملة ومصطلحات بعيدة عن ”وصمة العار“ والاتهام يمكن أن تساعد في السيطرة على الأوبئة، وللحديث عن مرض فيروس كورونا الجديد «COVID-19»، ذكر المنشور بعض النصائح، أبرزها:

- عند ذكر مرض فيروس كورونا الجديد، يستخدم ”كوفيد-19“ «COVID-19»، بسبب أن اختيار هذا الاسم للمرض تم رسميًّا وعلميَّا لتجنب كثير من المشاكل، منها ”وصمة العار“، حيث كلمة ”co“ تعني كورونا، و”vi“ للفيروس و”d“ للمرض، و19 سنة ظهور المرض «عام 2019م».

- لا يُربط بلد أو عرق بالمرض، فهذا ليس ”فيروس ووهان“ أو ”فيروس صيني“ أو ”فيروس آسيوي“، أو غير ذلك من المسميات والصفات.

- الجميع مسؤول بلا استثناء، حيث تلعب الحكومات والمواطنون ووسائل الإعلام والشخصيات الفاعلة والمؤثرة في المجتمعات دورًا مهمًا في منع ووقف الوصمة التي تحيط بالناس من الصين وآسيا بشكل عام.

وصمة كوفيد باقية

ورغم هذا التحذير والمنشور لثلاث هيئات رسمية تابعة لهيئة الأمم المتحدة وانضمام كبرى المؤسسات الصحية في أمريكا والعالم «مؤسسة جون هوبكنز»، استمرت ”وصمة كوفيد“، أي ”الفيروس الصيني“، بالتردد على لسان الرئيس ”دونالد ترامب“ وقاعدته وفي أماكن أخرى في العالم، مما أدى إلى العنف ضد الصينين أولًا، ثم الآسيويين، ثم ”غير الأبيض“، أي ذوي البشرة السمراء، واستمر طوال الأزمة، وقد ذكرت مؤسسات الأخبار مؤخرًا «في يوم 23 مارس 2021م» خبرًا: ”بسبب «كورونا»... «غوتيريش» قلق إزاء تصاعد العنف ضد الآسيويين“. وقال «أنطونيو» غوتيريش، وهو الأمين العام الأمم المتحدة، ”إن العالم شهد اعتداءات مميتة، ومضايقات لفظية وجسدية، وتنمر في المدارس، وتمييز في العمل وتحريض من جانب من هم في السلطة“.

وقد تجمّع مئات المتظاهرين في حي كوينز بنيويورك في أمريكا، يوم السبت 27 مارس 2021م، للمطالبة بإنهاء العنف ضد الآسيويين، كجزء من يوم العمل الوطني، في أعقاب عمليات إطلاق النار الجماعية في منتجعات صحية مملوكة لآسيويين في أتلانتا «الأمريكية» ونظّم المحتجون مسيرات في نحو 60 مدينة أميركية، بما في ذلك مدينة جورجيا وسان فرانسيسكو ولوس أنجليس وشيكاغو وديترويت وبورتلاند. ونقلًا عن موقع فرانس برس، قالت جودي تشانغ، ممثلة تحالف مناهض للحرب والعنصرية، أحد منظمي المظاهرات: ”لقد مرَّ عام على هذا الوباء، واشتدت حدة العنف ضد الآسيويين“. ومثل العديد من المنظمين، عَزَتْ تشانغ الارتفاع في المشاعر المعادية للآسيويين إلى الخطاب السياسي الذي يصور الصين كتهديد. وقالت لوكالة فرانس برس في نيويورك: ”كل آسيوي أعرفه تعرّض للعنف أو التحرش والاعتداء“. وكانت قد خلّفت حادثة إطلاق النار، في 16 مارس/آذار الحالي، ثمانية قتلى، بينهم ست نساء من أصل آسيوي، مما أثار الفزع والحزن في جميع أنحاء أمريكا، إلى جانب الخوف من ارتفاع جرائم الكراهية في حقبة الوباء.

ورفع بعض المتظاهرين لافتات كتبت عليها عبارات مثل: ”توقفوا عن تشويه صورة الصين والشعب الصيني“، في حين رفع البعض لافتات تقول: ”قل لا للإرهاب العنصري ضد الآسيويين“. في حين رفع متظاهر آخر لافتة تقول: ”أنا لست فيروسًا، ولست العدو، أنا أميركي من أصل صيني وأحب ما أنا عليه“.

وصف إيرفينغ لي، أحد المتظاهرين في كوينز، ”العنف ضد الآسيويين الذي نشأ في بلاده“ بأنه ”نتيجة ثانوية للسياسة الخارجية الأميركية“. ويواصل الخبر، أنه عندما بدأ فيروس كورونا بالانتشار في الولايات المتحدة، في أوائل عام 2020م، أطلق عليه عدد من السياسيين، بمن فيهم الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترامب، اسم ”فيروس ووهان“ أو ”الفيروس الصيني“، الأمر الذي كانت له آثار مدمرة على المجتمعات الآسيوية، كما يرى [إيرفينغ لي]، الذي أضاف: ”رأيت الكثير من المتضررين“، ”إنهم خائفون من الخروج نتيجة لأعمال العنف الجارية“. [1] 

الوصمة وفيروس الطائفيَّة

البعد الطائفي لم يكن بعيدًا عن البعد العنصري لوصمة كوفيد، وليس أقل منه خطرًا ودمارًا. كتب الكاتب المتألق علي الشريمي يوم 17 / 03 / 2020م، بدايات أزمة كورونا، في جريدة الوطن السعودية:

”منذ أن بدأ فيروس كورونا يأخذ شكل تهديد وجودي كامل لكل البشرية في الكرة الأرضية، أظهر في الحال ذاته طرق تعاملنا مع هذا الاختبار الطبيعي، الذي أخرج أحسن وأسوأ ما فينا، وللأسف طفا على السطح أسوأ ما في النفس من العنف والعبط، وكأننا نتحدث عن نتانة وعفن مختبئين في الأعماق لا تزيدهما الكوارث إلا توهجًا. في منطقتنا ضجت الطائفية في وسائل التواصل الاجتماعي خاصةً بعد قدوم إصابات عدة من إيران، وبدأت النقاشات والحوارات كما هي العادة في التشكيك بالولاءات الوطنية حتى تحولت إلى حالة أقرب من «الولولة» منها إلى حوار واضح ومفهوم“ [2] .

وكذلك كتب خالد أحمد الصالح، عن مثل هذا في الكويت، كما جاء في موقع ”العربية. نت“ في 6 مارس 2020م: ”نحتاج فعلًا إلى توعية كبيرة من فيروس الطائفية، ذلك الفيروس الذي جعله «كورونا» أكثر وضوحًا، أناس من دون ضمير يخدعون الناس ويخدعون أنفسهم، هؤلاء يزايدون على الطائفية، يبدعون في ارتداء ثياب التعصب من أجل كسب أصوات طائفتهم، [...] يُصعدون في نشر ثقافة الحقد والكراهية، [...] نحتاج إلى نشر ثقافة المحبة وجعل الوطن، والوطن فقط، هو مرجعيتنا جميعًا“ [3] .

وقد أكد هذين البعدين، العنصري والطائفي في أزمة كورونا، الأمينُ العام لمجمع البحوث الإسلامية الدكتور نظير عيَّاد، الذي قال: ”وباء كورونا كشف زيف الطائفية والعنصرية“، قالها أثناء مشاركته فعاليات المنتدى الإسلامي الدولي السادس عشر، «10 ديسمبر 2020م» والذي ناقشت جلساته مجموعة من المحاور حول ”ثقافة اللقاء: الأخلاق الدينية في عصر الوباء“، والذي نظمته الأمانة العامة للمنتدى الإسلامي الدولي والهيئة الدينية لمسلمي الاتحاد الروسي عبر منصة ”زووم“ [4] .

وفي الختام، قيل الكثير والكثير عن خطورة ”الكلمة“ وهي فالتة أو عفويَّة، لكن حين تكون مدروسة تكون ”إمبراطورة“، كما يصفها نيقولاس أوستلر في «إمبراطوريات الكلمة»، بل هي ”إمبراطورة وتاريخ“: ”إمبراطورة“ لسطوتها وجبروتها، و”تاريخ“ لأنها تبقى حيَّة في الزمان والذاكرة، لا تموت إلا بتركها وإهمالها واستخدام غيرها... فتسقط إمبراطوريتُها وتزول ويختفي ما ”صنعته“...

[1]  انظر الرابط التالي:

https://www.alaraby.co.uk/politics/ متظاهرون - أميركيون - يحتشدون - في - عدد - من - الولايات - رفضا - للعنف - ضد - الآسيويين

[2]  انظر الرابط التالي: https://www.alwatan.com.sa/ampArticle/1040046

[3]  انظرالرابط التالي: https://www.alarabiya.net/amp/politics/2020/03/06/كورونا - فيروس - الطائفية

[4]  موقع منظمة التعاون الإسلامي، مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية: https://www.ircica.org/ar
تاروت - القطيف