آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 8:59 م

في ضيافة الله

جهاد هاشم الهاشم

نحن في أواخر شهر شعبان المُعظّم. وماهي إلا أيام - ليست بالكثيرة - ونكون في رحاب شهر الله، شهر الكرم، شهر المغفرة، شهر الطاعة والعبادة، ألا وهو شهر رمضان. شهر الصيام والقيام وتلاوة القرآن، شهر العتق والغفران، شهر الصدقات والإحسان، شهر تُفَتح فيه أبواب الجِنان، وتتضاعف فيه الحسنات، وتُقال فيه العثرات، شهرٌ تُجاب فيه الدعوات، وتُرفع فيه الدرجات، وتُغفر فيه السيئات. شهرٌ يَجود الله - سبحانه وتعالى - فيه على عباده بأنواع العطايات، ويجزل فيه النعم والبركات. قال تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ. «البقرة الآية 185».

فهل سنستقبل ذلك الضيف الكبير كما ينبغي الاستقبال؟! استقبالًا يليق بعظمته وقدسيته ومكانته عند الله سبحانه وتعالى. أم أننا سنتبع وساوس الشيطان الرجيم ونعود لرغباتنا المدمِرة باستقبال شهر رمضان بالمسلسلات والبرامج المخجلة ومتابعة مسابقات اللهو والهوى وقضاء السهرات في الكورنيش والمتنزهات!! بل ذهب البعض يتبنى مقولة «رمضان يجمعنا» كما تُقال في الفضائيات وقنوات المحرمات للأسف أي شهر رمضان يجمعنا؟! بالاستماع للغناء ومشاهدة المسلسلات المارقة التي لا تحمل أدنى قيمًا أو خلقًا رفيعًا بل تُروج للرذيلة وتُسمم أفكارَ وعقول صبيتنا وبناتنا من خلال مايُطرح ويعرض من مادة رخيصة تتساير وطبيعة الشيطان. وهي مدعاة للانحراف بطريقة مُغلفة بأفكار رديئة يُعبرون عنها بالحداثة والتطور، وتارة أخرى بالتسلية والترفيه. وهي في واقع الأمر أطروحات ومسميات لاترتقي بالعقل الآدمي المتوازن إطلاقا ولا تمت للمعاني الرفيعة والسامية بشيء. مبتعدين عن مجالس الذكر والصلوات في بيوت الله وقيام لياليه بالأدعية والاستغفار والإكثار من الصدقات والالتفات لليتامى وضعفاء الحال من النساء والأطفال وكبار السن. وكذلك الاهتمام بزيارة الوالدين وصلة الأرحام.

عزيزي القارئ: إن أعمارنا قصيرة والأجل آتٍ لامحالة. وشهر رمضان هو فرصة المؤمن لكي يتزود بذلك الزاد الرباني. فالصوم ليس فقط الإمساك عن الطعام والشراب؛ بل إمساك الجوارح والأهواء عن كل ماهو مخالف لشرع الله، وكل ما هو مخالف للقيم والآداب الإنسانية كغض البصر عن المحرمات، وكبح اللسان عن الغيبة والنميمة، وعدم جرح الآخرين بالمُشين من الحديث. وهنيئًا لمن استثمر ذلك الشهر الفضيل بالروحانيات وإرضاء الرب - تبارك وتعالى - بالفضائل من تلاوةٍ وأذكار وملازمة مجالس العبادة. فالعمل فيه مُضاعف فعجبا لذلك الشهر الكريم! قال رسول الله ﷺ: ”أيّها الناس إنّه قد أقبل إليكم شهرالله بالبركة والرحمة والمغفرة، شهر هو عند الله أفضل الشهور، وأيّامه أفضل الأيّام، ولياليه أفضل اللّيالي، وساعاته أفضل السّاعات، هو شهرٌ دُعيتم فيه إلى ضيافة الله، وجُعلتم فيه من أهل كرامة الله، أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعاؤكم فيه مستجاب. فسلوا الله ربّكم بنيّات صادقة، وقلوب طاهرة أن يوفّقكم لصيامه، وتلاوة كتابه، فانَّ الشقيَّ من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم...“.

إذًا الصدق في نياتنا ومراعاة حُرمة ذلك الشهر العظيم وما له من مكانة عند الله - سبحانه وتعالى - والسعي وتسخير طاقتنا «ما أمكن» للظفر بعظيم ثوابه وغفرانه. ولو استرسلنا في مكانة هذا الشهر الكريم لن نستطيعَ في هذه السطور القليلة تِبيان عظمة وثواب أيامه وليالي. وخلاف ذلك يعني أننا سلكنا طريق الخيبة والنفاق باعتبارنا نُظهر في تصرفاتنا عكس مانُبطن وهذا يجرنا للويلات وسخط الرب ونكون من الخاسرين ويُضاعَف العذاب الأليم مصداقا لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ. «سورة البقرة 183».

لاشك أن شهر رمضان فرصةٌ لاتعوض لا يدركها ولا يعرفها حق معرفتها إلا من أنعم الله - سبحانه وتعالى - عليه بالهداية والسكينة ليستخلص بعدها مال هذا الشهر المقدس من حرمة ومكانة لا يستطيع وصفها واصف. وبالتالي استغلال ذلك بكبح الأهواء وعدم تسليم أنفسنا لزيف الشهوات والباطل من الأعمال ما أمكن إلى ذلك سبيلا. كذلك يجب ألانَغفلَ أبناءنا وأن نجعل لهم من الوقت نصيبًا من خلال توجيههم ومراقبتهم ووضع برامج تربوية عبادية تتفق وتناسب إمكاناتهم الفكرية والعمرة، وخَلق مناخ داخل المنزل يحتوي على روحانيات ومسابقات دينية مُبَسّطة كقراءة القرآن والأدعية ومشاهدة البرامج التي تحتوي على فضل شهر رمضان المبارك.

وعن النبي - ﷺ في فضل شهر رمضان أنه قال: ”مَن أكثر فيه من الصلاة عليّ ثقّل الله ميزانه يوم تخفّ الموازين“.

ولا ننسى ليلةَ القدر فهي أفضل الليالي، وقد أنزل الله فيها القرآن، وهي خيرٌ من ألف شهر، وأنها مباركة، وأنها يُفرقُ فيها كلٌ أمرٍ حكيم، قال سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ. [سورة القدر الآيات 1-5].

إذًا يجب التهيؤ والاستعداد لتلك الليلة العظيمة كما ينبغي استعدادًا يليق بعظمتها وعلو مكانتها عند الله - جل في علاه - حتى ننالَ شرف ثوابها وجزيل عطاياها. اللهم صلِ على محمد وآل محمد. اللهم بلغنا رمضان لافاقدين ولا مفقودين. اللهم أعنا على صيامه وقيامه. اللهم أعتق رقابنا من النار. اللهم لاتحرمنا عفوك ورضاك في شهر الرحمة والمغفرة والرضوان يا رحمن يارحيم وصلِ اللهم على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين