آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

الصناعة الثقافية

الدكتورة زينب إبراهيم الخضيري * صحيفة الرياض

لنتفق في البداية أن الأدب يعكس الوضع الاقتصادي في عصره، وقد ساهمت الرواية في نقل الصورة الاقتصادية في الوقت الذي كتبت به، وهناك روايات كانت شاهداً على الوضع الاقتصادي في فترة زمنية معينة، لذلك تأثير الاقتصاد على الأدب والحياة الاجتماعية جليّ وواضح، ولو نظرنا إلى الأدب كسلعة بالإمكان استثمارها فما الذي يمنع المستثمرين من المغامرة والاستثمار في هذا المجال؟ وربما هذا يندرج تحت مسمى الاقتصاد الأدبي، فالمستوى الطبقي للمؤلف، ومضمون العمل الأدبي، والإنتاج الفني، وكل المدارس النقدية والاشكال الأدبية يؤثر بها الاقتصاد.

هنا لا بد أن نتحدث عن نشر الوعي بأهمية تبني الاقتصاد الأدبي بين المستثمرين، وتوضيح الجوانب الاقتصادية والفرص الاستثمارية في الأدب لهم مثل صناعة أديب، وكاتب نجم، ودار نشر متميزة، وشركات ترويجية لصناعة الثقافة وتحسين الصورة الذهنية عن المجتمع بدل كل هذا الاستلاب! وكل فرع ثقافي أدبي فني هو مصدر من مصادر الاستثمار ولكن لابد أن تخضع لمعايير عالية ودقيقة ولا يدخل فيها آراء المستثمر، بل يجب أن تكون نقية وموجهة للمجتمع بشكل إنساني.

وحتى يكون الاقتصاد الأدبي ذا قيمة ومكانة يحتاج إلى حركة نقدية متينة تضع أمامها استراتيجية تخليص الإنسان من حماقته ووقف اندفاعه نحو هوة الاستلاب العالمي الاستهلاكي لكل ما حولنا، ومكانة الاقتصاد الأدبي تنبع من القيم التي يحملها فهو من ينهض بقلب الإنسان وعقله من أجل التغيير وفهم المجتمع وتلبية حاجاته الفكرية ونشر الوعي، فبالمقارنة مع الاقتصاد الرأسمالي ستجد أنه يدعو للموت السريع للفكر والسلوك، فهو ابن الملكية التي لا تعرف قناعة ولا تقف عند حد، أما الاقتصاد الأدبي فهو ابن الحب والمودة والصدق والمسامحة والتعاون.

والمتتبع لوظيفة الأدب ليس تقديم التعزية والسلوان، فالأدب لم يخلق لينسي الإنسان مشاكله وهمومه ويفرد لها الحلول كما قد يظن بعضنا، فهو ليس سيركاً يرفه عن نفوسنا ويدخل عليها البهجة والفرح، ولكنة دائماً ما يوازي بين الكفتين، حيث يطرح باستمرار البؤس الروحي والبؤس المادي، بل إنه يوجد علاقات وروابط بينهما وعوامل مشتركة، ويرى أن أي خلل في الحياة المادية سيؤدي إلى خلل في الحياة الروحية، وهذا يرجع إلى سيطرة الاقتصاد الرأسمالي على النشاط المادي بحيث يتحول هدف السلعة من تلبية الحاجات إلى استغلالها، ومن وفرة السوق إلى احتكاره، فالاقتصاد الرأسمالي ليس هدفه خلق الموازنة بين الحياة المادية والحياة الروحية بل دفع الناس إلى الانخراط في فوضى من أجل تكديس الأرباح، ومن أجل فرض سلطة قوية تؤمن استمرارية الأرباح وتدفقها.

والسؤال المطروح الآن: كيف يمكن استثمار الأدب بطريقة متوازنة وجعله جذاباً بالنسبة للمستثمرين دون أن يؤثر على قيمته ويغير في أهدافه؟