آخر تحديث: 24 / 4 / 2024م - 1:48 م

تأملات رمضانية 8

محمد أحمد التاروتي *

الكرم الالهي لا حدوده له، ويفوق الامكانيات العقلية للانسان، ”إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ“، فبلوغ المسلم صيام شهر رمضان المبارك، احدى تجليات كرم الخالق على عبده، خصوصا وان الافاضات الربانية لايام الصيام لا حدود لها على الاطلاق، ”ان هذا الشهر شهر فضله الله على سائر الشهور كفضلنا اهل البيت على سائر الناس“، فالصائم يجد نفسه على مائدة الرحمة الإلهية، منذ اللحظات الاولى لرؤية هلال الشهر الكريم، حيث يتلمس العبد تلك النسمات الربانية بشكل واضح، ”وهو شهر يفتح فيه ابواب السماء وابواب الرحمة“.

الفوز بالجنان والعتق من النيران يمثل الجائزة الكبرى للصائم، فالمسلم يتحرق شوقا ويتحمل العطش، وألم الجوع طيلة ساعات النهار، من اجل الحصول على نعيم الاخرة والابتعاد مسافات طويلة عن جهنم، الامر الذي يتجلى في الالتزام بالاوامر الإلهية، وتجنب المعاصى على اختلافها، فالطاعة مفتاح الدخول في عباد الله الصالحية، واجتناب الذنوب طريق مخالفة الشيطان، ”و يغلق فيه ابواب النيران وهو شهر يسمع فيه النداء ويستجاب فيه الدعاء ويرحم فيه البكاء“.

عملية الانعتاق من عبودية الذات، والذوبان في طاعة الله تعالى، ليست مفروشة بالورود على الاطلاق، نظرا للحبائل يحيكها الشيطان في الحياة، من اجل قطع امامه من الوصول، الى العبودية الكاملة في طاعة الخالق، ”قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ“، وبالتالي فان تجنب السقوط في حبائل الشيطان، يمثل مدخلا اساسيا نحو العبودية لله تعالى، فالله يدعو الى الرضوان، والشيطان يدعو الى الخسران الكبير.

شهر رمضان المبارك موسم الهي، قادر على احتضان جميع العباد، نظرا لما يحمل من رحمة واسعة من الخالق تجاه العباد، فالصائم اقرب ما يكون لله طيلة ساعات النهار، مما يسهم في فتح ابواب السماء امامه، للدخول في روضة العباد الصالحين، بحيث يشمله الكرم الالهي في العتق من النيران، الامر الذي يدفع الصائم باتجاه الاجتهاد، في اظهار التذلل الكامل للخالق، من خلال العديد من الاعمال العبادية المخصوصة في شهر رمضان، حيث تشهد المساجد اقبالا كبيرا في كافة الصلوات المفروضة، وكذلك زيادة جرعة الادعية خلال ساعات المساء، من اجل الفوز بالجنة والرضوان.

معرفة الصائم بالكرم الالهي الوافر، خلال شهر رمضان المبارك، عنصر محفز لاستغلال ايام الشهر الفضيل، بطريقة مغايرة عن بقية الشهور، نظرا لوجود الاختلافات الكبيرة، ووجود الاستعدادات الروحية، لزيادة الجرعات العبادية، بهدف التخلص من تبعات الاعمال الخاطئة في الاشهر الماضية، ”ايها الناس ان شموس شهر رمضان، لتطلع على الصائمين والصائمات، وان اقماره ليطلع عليهم بالرحمة، وما من يوم وليلة من الشهر، الا والبر من الله تعالى، يتناثر من السماء على هذه الامة“، وبالتالي فان ادراك الصائم لشهر الصيام فرصة كبرى، لا تعوض للعتق من النيران، خصوصا وان الكثير من المسلمين يتمنى بلوغ شهر الصيام، بيد ان الموت حال دون الفوز ببلوغ شهر الرحمة والغفران.

الدوافع الذاتية والتوفيق الإلهي، وتهيئة النفس بالطريقة الصحيحة، عناصر اساسية لشمول الصائم لرحمة الله تعالى، ودخوله في جملة العتقاء من النار، ضمن الجموع المشمولة بالفوز بالرضوان، فالمرء مهما حاول الدخول في جملة عباد الصالحين، فانه لن يحصل على تلك الدرجة الرفيعة بدون التوفيق الالهي، ”يا حي يا قيوم، برحمتك أستغيث فأغثني ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا، وأصلح لي شأني كله“، بالاضافة لذلك فان امتلاك الانسان القدرة على مقاومة الاهواء الشيطانية، عنصر اساسي في الولوج الى ساحة الفيض الالهي، ”وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ“، ”إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا“ وكذلك الامر فان توطين النفس على تحمل المغريات، والغرائز الشيطانية جزء اساسي من الامتحان الدنيوي، فالصيام احدى العبادات العملية على مقاومة المغريات، والقدرة على تحمل مختلف اشكال الوسواس الشيطانية، من خلال الامتناع الطوعي عن الاكل والشرب، والاعتماد على المراقبة الذاتية بالدرجة الاولى. ”ان لله تبارك وتعالى عند فطر كل ليلة من شهر رمضان عتقاء من النار لا يعلم عددهم الا الله هو في علم الغيب عنده، فاذا كان اخر ليلة منه اعتق فيها مثل ما اعتق في جميعه“.

كاتب صحفي