آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 4:39 م

ثقافة التبرير والأعذار الواهية

المهندس أمير الصالح *

التقلب الجوي الذي عُرف بظاهرة ال نينيو El Niño والذي ضرب بعض الولايات المتحدة عام 1997 - 1998 م هو النبأ الاكثر ترديدا في معظم نشرات وكالات الأنباء الأمريكية حينذاك وعلى مدة أشهر طويلة. وأتذكر عدد ليس بالبسيط من المفاكهات والطرائف والتعليقات الساخرة التي شاركني إياها بعض الأصدقاء الأمريكيون عبر عدة ولايات يومذاك للتهكم على أي إخفاق يحدث في الاقتصاد أو الأمن أو حتى إخفاق بعض الطلاب عن أداء الواجب الدراسي أو عند احتراق أطعمة أحدهم عند إعداده للطعام ووضع اللوم على El Niño. لفترة غير قصيرة تم استغلال الاعصار والتقلب المناخي والامطار المصاحبة لظاهرة El Niño لتقديم الاعذار وتجاوز المحاسبة واسكات الالسن.

في وقتنا الحاضر يبرر البعض فشلهم أو عدم تبنيهم للتغير الايجابي بالقول:

- هذا قدري. ماذا أصنع؟

- معظم وقتي مهدور بين العمل والبيت، فلا أملك أي وقت؟

- طبيعتي كذا

- مزاجي كذا. هل أنت شريكي؟

- هذا أمر صعب جدا

- أنا كبرت وأصبحت عجوز ومتقاعد لا أستطيع المواكبة

- هذا الرئيس يتقصدني من أول يوم. فمهما أصنع لن أفلح معه

- هذا الأمر سيأخذ وقت طويل مني وأنا مشغول

- أنا متعود على كذا ولا أحب أغير شي

- هذا الشي اللي تقوله ما يوافق طبيعتي

وقائمة التبريرات تطول وتطول لدى البعض عند مواجهتهم بضرورة إدراج الأولويات الحاضرة والعمل على صنع الأفضل منها.

دوافع التبرير تكون استرزاق الاحساس بالأمان وتجاوز المحاسبة وتخطي العقوبة والالتفاف حول أداء المهمات وتجنب المخاطرة وتفادي الانتقاد السلبي وجلب التعاطف. وتارة أخرى يكون التبرير للتلاعب بالمشاعر والايعاز للآخرين للقيام بالمهمة بالنيابة عنه. وتارة ثالثة، يُستخدم التبرير لرمي العتب على الاخرين والتنصل عن التبعات.

القاء الاعذار لتنصل عن المسؤولية فن يجيده البعض من الناس لاسيما المترفين والمدللين أو ضعاف الشخصيات أو خبثاء السريرة أو بعض أصحاب السجلات السوداء. إلا إنهم وإن أفلتوا لحظيا سيلاقون الجزاء وإن طال الأمد. الفرار من مواجهة الحاضر بتحدياته باللجوء للماضي أو إهمال المستقبل سيحرق فرص كبيرة مواتية.

أتذكر مقال قصير قرأته قبل عدة أيام يعزز روح المسؤولية الذاتية لكل فرد منا ويثبت ثقافة المصارحة مع الذات، وأشارككم إياه هنا وهذا نصه اقتباسا:

"تأمل معي من فضلك

﴿فمن أبصر فلنفسه الأنعام آية 104

﴿من عمل صالحًا فلنفسه فصلت آية 46

﴿ومن شكر فإنما يشكر لنفسه النمل آية 40

﴿ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه فاطر آية 18

﴿ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه العنكبوت آية 6

﴿فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه الإسراء آية 15

﴿ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه محمد آية 38

﴿ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه النساء آية 11

﴿قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما أنا عليكم بحفيظ الأنعام آية 104

‏من الآيات السابقة تتضح المسؤولية الفردية وتحمُّل نتائجها في أوضح صورة وأقوى عبارة في تأكيدها. نجاتي / نجاتك في دنياي / دنياك ويوم القيامة مشروع شخصي لن تؤاخذ على تقصير الناس معك، بل ستُعاتَب وتؤاخذ على تقصيرك بحق نفسك*" انتهى النقل من النص.

وخلاصة الكلام:

ثقافة التبرير للتقاعس عن أداء الانجازات والتغيير للأفضل أمر يجب معالجته على المستوى الفردي والأسري والاجتماعي وأكبر. ولعل الآية الكريمة ﴿كل نفس بما كسبت رهينه نداء كاف وواف لمن لديه قلب حي أو يسعى لإحيائه.