آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

تأملات رمضانية 12

محمد أحمد التاروتي *

الكرم الالهي في الشهر الكريم يفيض في كل لحظة من اللحظات، حيث يتجلى في العتق من النيران في كل ليلة رحمة، وكرما من الله على عبادة الصائمين، ”ان لله تبارك وتعالى عند فطر كل ليلة من شهر رمضان عتقاء من النار لا يعلم عددهم الا الله“، لذا فان الصائم يحاول الاجتهاد ليشمله الكرم الرباني، ليكون ضمن العتقاء في احدى ليالي الشهر الكريم ”فإن الشقي من حرم عليه غفران الله في هذا الشهر العظيم“.

رحمة الله واسعة ولا تحدها حدود، وتستوعب كافة العباد ”وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ“ و”إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ“، ”إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ“، بيد ان المرء مطالب بالتقرب الى الله في كل اعماله، من خلال مراقبة سكناته وحركاته، لتكون متوافقة مع الاوامر الإلهية، وعدم ارتكاب المعاصي، حيث يمثل شهر رمضان المبارك نقطة تحول حقيقية باتجاه القرب الإلهي، والسعي الحثيث لنيل الكرم الالهي الواسع، ”ايها الناس ان شموس شهر رمضان لتطلع على الصائمين والصائمات وان اقماره ليطلع عليهم بالرحمة“، وبالتالي فان الصائم يجد الطريق معبد للاقبال على العبادة، والالتزام بالطاعات على اختلافها، نظرا لتوافر الاسباب للدخول في جملة العباد الصالحين، ”هو شهر الشياطين فيه مغلولة محبوسة“، مما يجعل الصائم اكثر قدرة على زيادة الجرعة، جراء عدم وجود العراقيل التي تنصبها الشياطين، سواء من الانس والجن.

الاقبال الصادق على الاخلاص الكامل، والاندفاع الخالص للالتزام بمتطلبات فريضة الصيام، مقدمات اساسية للحصول على الفيض الالهي الواسع، لاسيما وان البركات الكثيرة التي تتناثر في سماء الشهر الكريم، ليست محصورة على فئة دون اخرى، بيد ان المرء مطالب بالتحرك الصادق باتجاه اخلاص النيات، والرغبة الصادقة لاعادة صياغة العلاقة مع الطاعات، ومحاولة التعرف على الطرق المناسبة لارتقاء النفس تجاه الخالق، الامرالذي ينعكس بصورة مباشرة على النظرة الشاملة للاوامر الالهية أولا، واحداث تحولا كبيرا في النظرة للحياة ثانيا، من خلال التعامل معها بما تستحق وعدم الانكباب عليها ”وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ“ و”اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ“، ”وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ“ وبالتالي فان الصائم يجد لذة كبرى في الاقبال على العبادة، باعتبارها وسيلة لشموله بالكرم الالهي الواسع.

تصحيح مفاهيم العلاقة مع الخالق عملية أساسية، في الرغبة الصادقة للاقبال الكبير على العبادات، فالبعض يمتلك نظرة سطحية وغير واعية في النظرة للعبادة ”تفكيرُ ساعة أفضلُ مِنْ عبادةِ سبعينَ سنة“، فهذه الشريحة غير قادرة على الارتقاء بمستوى العبادة، لتصل الى العمق المطلوب، مما يعطل الحركة الانقلابية الشاملة في النفوس، فيما البعض يجد في العبادة فرصة كبرى، لاحدث تحولات حقيقية في المفاهيم الخاصة، بتلك الممارسات العبادية، ”لا عبادة كالتفكر في صنعة الله عز وجل“، وبالتالي فان الشهر الكريم فرصة كبرى، لجعل العبادات طريق الى الكرم الالهي الكبير، ”ما من يوم وليلة من الشهر والا والبر من الله تعالى يتناثر من السماء على هذه الامة“.

سعي الصائم الصادق لاداء فريضة الصيام على الوجه المطلوب، يعكس الرغبة الجامحة للفوز بالرضوان، من خلال الدخول في جملة المرحومين، والعتقاء الذين يحظون بالكرم الرباني، ”، فمن ظفر من نثار الله بدرة كرم على الله يوم يلقاها وما كرم عبد على الله الا جعل الجنة مثواه“، بالتالي فان الصوم قادر على ازالة الشوائب المتراكمة على القلوب، والانطلاق باتجاه العبادة، والعودة مجددا الى الطريق الصائب، من اجل الدخول في رضوان الله عبر تجديد التوبة النصوح، والاخلاص التام في كافة العبادات.

”ايها الناس ان شموس شهر رمضان لتطلع على الصائمين والصائمات وان اقماره ليطلع عليهم بالرحمة وما من يوم وليلة من الشهر والا والبر من الله تعالى يتناثر من السماء على هذه الامة، فمن ظفر من نثار الله بدرة كرم على الله يوم يلقاها وما كرم عبد على الله الا جعل الجنة مثواه“.

كاتب صحفي