آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:00 م

الإمام الحسن المجتبى (ع)... العبادة والوعي

رضي منصور العسيف *

قال تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ البينة آية «5»

ها هو شهر رمضان ينتصف، وها هي أيامه تتصرم ولنا أن نسأل أنفسنا هذا السؤال الجوهري: هل حققنا الغاية الكبرى من الصيام أم أنه كان مجرد صيام عن الأكل والشرب؟

ما نسبة التقوى التي ترسخت في أنفسنا في الأيام الماضية؟

لنأخذ الإجابة عن هذا السؤال من سيرة الإمام الحسن المجتبى التي تشع نوراً وروحانية، وهي كفيلة بإعادة صياغة أنفسنا وترميم تلك التصدعات التي أحدثتها الانشغالات والسلوكيات اليومية.

الإمام الحسن قدوة

روى المفضل عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عن أبيه عن جده: أن الحسن بن علي بن أبي طالب كان أعبد الناس في زمانه وأزهدهم وأفضلهم"

وكان إذا قام في صلاته ترتعد فرائصه بين يدي ربه عز وجل.

وكان إذا توضأ ارتعدت مفاصله واصفر لونه، فقيل له في ذلك فقال: ”حق على كل من وقف بين يدي رب العرش أن يصفر لونه وترتعد مفاصله“[1] 

لنتأمل في هذه السيرة لنقتدي بها، لنجعل ممارساتنا العبادية ذات صبغة روحانية حقيقية، وليس مجرد حركات وأذكار مفرغة من روح العبادة.

ويمكن الاستفادة من كلمات الإمام الحسن في إعداد برنامج عبادي واعي.

شهر رمضان... مضمار الخيرات

قال الإمام الحسن : إن الله جعل شهر رمضان مضمارا لخلقه فيستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته فسبق قوم ففازوا، وقصر آخرون فخابوا [2] .

لا يكن شهر رمضان هو مجرد الصيام عن الأكل والشرب وإنما هو تهذيب للنفس، وارتقاء بالروح، وفرصة للتقرب إلى الله، فهو مضمار يتسابق فيه الواعون من خلال الإكثار من أعمال الخير، وكما يقول الإمام الحسن : واخشوا الله بالتقوى وتقربوا إلى الله بالطاعة فإنه قريب مجيب[3] .

وفي شهر رمضان عليك أن تنمي في ذاتك ملكة التقوى، وكلما كانت نسبة التقوى قوية في ذاتك سترى سبل الفلاح في حياتك، وستكون في مسلك العظماء من الصالحين يقول الإمام الحسن : فاتقوا الله عباد الله واعلموا أنه من يتق الله يجعل له مخرجا من الفتن ويسدده في أمره ويهيئ له رشده ويفلجه بحجته ويبيض وجهه ويعطه رغبته، مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا[4] .

القرآن... بصائر وهدى

قال الإمام الحسن : إن هذا القرآن فيه مصابيح النور وشفاء الصدور. فليُجل جالٍ بضوئه وليُلجم الصفة قلبه، فإن التفكير حياة قلب البصير، كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور"[5] .

إن القرآن هو ذلك الهدى والمعلم والنور والبصيرة ومنهج التفكير السليم، وهو المعرفة والحقيقة.

فإذا أراد الإنسان أن يعيش في الحياة بنور فليستنر بالقرآن، ولينظر ما هو قائل له، فإن فيه الشرح الوافي لطبيعة الإنسان والمجتمع وتطورات الحياة، وفيه الإجابات الوافية عن نواميس الكون والهدف من خلقته، وفيه أيضاً الإجابة عن السر وراء تطورات الأمم والحضارات وعلل دمارها.. كل ذلك يجده الإنسان في القرآن[6] .

لذا ينبغي أن يتأمل ويتدبر الإنسان في آيات القرآن الكريم ليكون ممن يقرأ القرآن قراءة الواعي لمقاصده وحكمه.

لا تهجروا المسجد

يعتبر المسجد المرتكز الأساس في بناء الشخصيَّة الإيمانيَّة المتوازنة، فهو مركز عباديّ وتربويّ وتثقيفيّ، وكل من يرتاد المسجد فإنه سيتزود منه بالطاقة الروحية وبالهدوء والسكينة والوقار. يقول الإمام الحسن : «من أدام الاختلاف الى المسجد أصاب ثمان خصال: آية محكمة، وأخاً مستفاداً، وعلماً مستطرفاً، ورحمة منتظرة، وكلمة تدلّ على هدى، أو تردعه عن ردىً، وترك الذنوب حياءً أو خشية»[7] .

كما أنه يسهم في استقامة تدين الإنسان، ويحفظه من لحظات الغفلة. كما روي عن الإمام الحسن : الغفلة تركك المسجد، وطاعتك المفسد [8] .

[1] أعلام الهداية الإمام الحسن المجتبى ص 33

[2] بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 75 - الصفحة 110

[3] تحف العقول - ابن شعبة الحراني - الصفحة 227

[4] تحف العقول - ابن شعبة الحراني - الصفحة 232

[5] أعلام الهداية، الإمام الحسن المجتبى ص 196

[6] في رحاب القرآن، السيد محمد تقي المدرسي

[7] أعلام الهداية الإمام الحسن المجتبى ص 208

[8] ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 3 - الصفحة 2287
كاتب وأخصائي تغذية- القطيف