آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 4:24 م

الإمام علي (ع) والإيثار

ورد عن أمير المؤمنين : أفضل السخاء الإيثار» «غرر الحكم: 2888».

إذا سما الإنسان في أفق التربية الروحية وتخلص من أغلال وقيود الأنانية وحب الذات الجنوني، فإنه سيستشعر السعادة وراحة البال بمشاركته الوجدانية مع آلام واحتياجات الآخرين من حوله، وسيهرع بكل قواه وجهده للتخفيف عما يعانون منه من هموم وحزن، وللعطاء قلوب بيضاء تتحاشى المشاعر السلبية والحقد تجاه الغير، بل تنظر للغير بعين الاحترام والمودة وتستظل معها تحت مظلة التكاتف والتكافل الاجتماعي، فلا يجد غضاضة من تقديم المساعدة لأي إنسان دون تأطيره عنصريا أو أي جهة من جهات التزمت الاجتماعي، وهذه سيرة العظماء وهم يعملون بأنفسهم على تخفيف وطأة الفقر والاعتياز عن الآخرين؛ ليرسموا معالم منهج العطاء والإنفاق في سبيل الله تعالى، وقد أشاد القرآن الكريم بالعترة الطاهرة لرسول الله ﷺ وقد قدموا طعام إفطارهم لثلاث ليال متوالية في عطاء منقطع النظير، وذلك أن عطاءهم كان في أعلى درجات البذل وهو الإيثار أي تقديم حاجة الآخر مع احتياج الباذل لذلك، وهو موقف يدل على بلوغهم أعلى درجات الزهد في الدنيا وموت الأنانية عندهم وبلوغ المشاركة والمساعدة في نفوسهم أعلى درجاتها، فصفة الإيثار تعني نفي صفة الحرص الشديد والطمع في الحصول على ملذات الدنيا المادية، والتخلص من مرض شح النفس المؤدي إلى صفة البخل والإعراض التام عن تقديم أي مساعدة لمحتاج، فيسير وفق فكرة النفعية والمصلحة الذاتية والتي تقصر همته وجهده على البحث عما ينمي ماله ويرسم مستقبله فقط، ولذا يرى في مساعدة الغير تضييعا للمال لا يمكنه أن يقدم عليه، ويسري بخله للناحية المعنوية فهو شحيح حتى بجهده ووقته للعمل من خلاله على التخفيف عن المهمومين.

صفة العطاء العالية ترسم العلاقات الاجتماعية والإنسانية وفق أعلى معايير الاستقرار والتفاعل والإنتاجية، وذلك أن الود والثقة المتبادلة ترسيها المشاركة الوجدانية والسعي لقضاء حوائج الآخرين، بما يشعرهم بوجود العون والمعين الذي يهتم بتفقد أحوالهم والسعي الحثيث على الاستماع لمشاكلهم والعمل المشترك على إيجاد الحلول المناسبة والمرضية، إنه حب الخير والعطاء الذي يحرك أصحاب النفوس الطيبة والذي يدفعهم نحو الأخذ بأيدي الآخرين ممن يعانون من الظروف الصعبة في حياتهم، وهذا من أهم الدروس المستقاة من سيرة أمير المؤمنين والذي يخط طريق التلاحم والتكاتف والمحبة بين أفراد المجتمع،، فهذا يعد من الوجوه المشرقة للحضارة الإنسانية التي تعلو على منطق الأنانية والمصلحية؛ لينطلق المؤمنون في طريق مجاهدة النفس ومحاربة الأهواء والافتتان بزخارف الدنيا والتكالب على جمع وكنز الأموال مع التغافل عن آلام وحاجات الفقراء من حوله، فالقيم الأخلاقية تجعل من العطاء والسخاء قيمة إنسانية تحقق وجود الإنسان الحقيقي وترفع شأنه، ولولا هذه القيمة العالية لتحولت حياة البشر نحو قانون الغاب الوحشي الذي لا يقبل وجودا للضعيف إلا في خانة الاستبداد وانتهاك حقوقه.

وأمير المؤمنين عاش حياة العطاء في جميع اتجاهاته وكل المستويات العلمية والأخلاقية والاقتصادية، إنه أبو المساكين واليتامى والذين كانوا يستشعرون دفء يده الطاهرة، فلا يهدأ له بال وهو يرى الفقر يكشر عن أنيابه لينهش أحدا، وأشاد القرآن الكريم بمورد في حياته في آية الإطعام؛ ليثير روح الإيثار وتقديم حاجات الناس وإيلائها الأهمية القصوى في سلم الاهتمامات والجهود عند أصحاب القلوب البيضاء.