آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

ضربةُ العار..

ليلى الزاهر *

منذ كنّا صغارًا في المدرسة ونحن نسمع معلمة التاريخ تُتبع حديثها بكرّم الله وجهه عندما كانت تشرح درس بطولات الإمام علي، والبعض منّا كان يرى ذلك غير مُستساغ.

لكنني كنتُ أراه أحد الأوسمة الجبّارة في سيرته العطرة التي انبثقت من آداب عظمى نهلها الإمام من مدرسة محمد ﷺ. فلا عجب من تكريم الله له وهو لم يسجد لصنم قط وكيف له ذلك وقد نشأ في أحضان الرسالة وتأدّب بأدب النبوة.

وعندما أراد الله تعالى أن يجمع القوة للإسلام كان ذلك في الساعة التي أخذ فيها النبي محمد عليّا من أبيه عندما أصاب مكة القحط، وقد أخذ حمزة جعفرا؛ ليخف عبء مسؤولية أبي طالب في إسكات قرصات جوع أبنائه.

فلم يزل الإمام مع النبي الكريم، وأصبحت الصور المحمدية هائمة في فضاء علي، ولم يختفِ صوت محمد عن مسامع علي بل توثّق الرباط بينهما عندما بعث الله محمدا رسولا فكان علي أول الناس إسلاما.

أقام علي في حضن الرسالة بمكة المكرمة ثلاثًا وعشرين عاما، وأقام عشر سنين في المدينة المنورة بعد الهجرة المباركة يشاطر ابن عمه المهام الموكلة له من السماء فسيف علي عماد القوة ومال خديجة قوة اقتصادية عظمى، ومحمد قائد لهذه المنظومة المُشرفة.

ربما لم أحمل شيئًا أُضيفه لك في هذا المقال فسيرة الإمام يعرفها الصغار والكبار على السواء، لكنني أردت تسليط الضوء على شخصية مازلتُ أطمح كثيرًا أن أراها ولو في المنام، عندها لن تكون أضغاث أحلام لأنني وبلاشك سأرى بطلًا قويّا، ماصارع أحدا إلا صرعه، وسوف يسعدني الحديث مع مؤلف هو الحليف الأقوى للقلم.

وما عليٌ سوى كاتب قدير يشهد الجميع بنبوغه الفكري، وهيهات أن يجاريه أحد، لذلك شعرتُ بمسؤولية تقديم نبذة موجزة عن الإمام ولو كانت سطورًا قليلة، وقد لاتُضيف للقارئ سوىالنزر القليل.

متيقنة ٌ بأن قدماء اليونان لو عرفوا سيرة الإمام علي لأصبح مثل زيوس أو باتروكل

وغيرهم من الأبطال الذين كانوا محطّ تقديس عند شعوبهم، ويُدان لهم بالفضل في تأسيس حضارةاليونان.

وبنظرة خاطفة للملف التاريخي المُنصف شاهدت أخت المقاتل الشرس عمرو بن عبد ود ترثيه وتفتخر بأن قاتله من أسود العرب الشجعان فتقول:

لو كان قاتل عمرو غير قاتله

لكنت أبكي عليه دائم الأبد

لكن قاتله من لايعاب به

أبوه قد كان يدعى بيضة البلد.

ومن تجنّى بعض الشعر حين لقى شاعره حتفه بمنظومةٍ خدشت الشجاعة والحق

مثل الشاعر الصُّفري عمران بن حِطَّان الذي بالغ في بغض عليٍّ حيث وصل به المُقام إلى رثاء الرحمن بن ملجمٍ، فقال في ضربه عليًّا:

يَا ضَرْبَةً مِنْ مُنِيبٍ مَا أَرَادَ بِهَا

إِلَّا لِيَبْلُغَ مِنْ ذِي العَرْشِ رِضْوَانَا

إِنِّي لَأَذْكُرُهُ يَوْمًا فَأَحْسَبُهُ

أَوْفَى البَرِيَّةِ عِنْدَ اللهِ مِيزَانَا

لتجيبه أصوات مُخلّدة حفظت للشعر كرامته؛ حيث أفحمه بكر بن حسَّان الباهريُّ

عندما قال:

قُلْ لِابْنِ مُلْجَمَ  وَالأَقْدَارُ غَالِبَةٌ 

هَدَمْتَ لِلدِّينِ وَالإِسْلَامِ أَرْكَانَا

فَلَا عَفَا اللهُ عَنْهُ سُوءَ فِعْلَتِهِ

وَلَا سَقَى قَبْرَ عِمْرَانَ بْنِ حِطَّانَا

يَا ضَرْبَةً مِنْ شَقِيٍّ مَا أَرَادَ بِهَا

إِلَّا لِيَبْلُغَ مِنْ ذِي العَرْشِ رِضْوَانَا

بَلْ ضَرْبَةٌ مِنْ غَوِيٍّ أَوْرَدَتْهُ لَظًى

وَسَوْفَ يَلْقَى بِهَا الرَّحْمَنَ غَضْبَانَا

‏وجملة القول أن صرخة الإمام «فزْتُ ورب الكعبة» تخترق مشارق الأرض ومغاربها.

‏وكيف لاتفوز سيدي وأنت هارون موسى؟!

كيف لاتفوز وصوت رسول الله ناعيك:

«أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي»؟!

يتسلل من أَخْبِيَة المعارك صليل سيفك،

بومضة نعود لخيبر والخندق، نلمح سيفك يحارب خيال سيوف زائفة، تسقط إكراما لك.

لو أنصف التاريخُ عليا لما تمكن ابن ملجم من قتله، ولكن لاتثريب على التاريخ وأحداثه فقد كان ساجدًا يشقّ عنان السماء يناجي ربه حينما حانت ساعة ضربة العار.