آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:00 م

«حدود 1150 - 1240 هـ »

المنهج التربوي عند الشاعر الشيخ محمد بن عبد الله آل رمضان

محمد الحرز *

الشيخ الرمضان شخصيته وسماته:

نتناول أبعاد هذه الشخصية العلمية من خلال ثلاث نقاط مهمة مرتبطة بموضوع البحث، لتكون لمقدمة للدخول في الحديث عن المنهج التربوي عند الشاعر العلامة الشيخ محمد بن عبد الله آل رمضان أولاً: سيرته الذاتية: وهو تعريف موجز عن بعض معالم حياته.

ثانياً: أبنائه: وهم الذين عناهم بقصيدته وخصهم في أول الأمر بشعره.

ثالثاً: أثر الشيخ النراقي على شخصيته: فللشيخ النراقي أستاذ الأخلاق وشيخ الرمضان حضور قوي في شعره وشخصيته.

وسوف نستعرض النقاط الثلاث بشيء من الإيجاز لتكون مثابة مدخل ومقدمة للولوج في صميم الموضوع:

أولاً: سيرته الذاتية:

الشيخ محمد بن عبد الله الرمضان «حدود 1150 - 1240 هـ »:

الشيخ محمد بن الشيخ عبد الله بن الشيخ حسن بن الشيخ علي بن الشيخ عبد النبي آل الشيخ رمضان الخزاعي الأحسائي.

من علماء الأحساء الأجلاء، والفقهاء الفضلاء، ولد في الأحساء حدود سنة 1150 هـ ، بدأ دراسته العلمية على والده ثم اتجه إلى النجف فدرس على العلامة الشهير الشيخ محمد مهدي النراقي، صاحب «جامع السعادات»، وغيره، كان زعيماً دينياً وأستاذاً للفقه واللغة في الأحساء.

هاجر إلى البحرين في أحداث سنة 1208 هـ ، وأقام بقرية «سَلْمَاباد» فكان له دور علمي واجتماعي فيها، حتى أصبح أحد أبرز أعلامها.

له عدد من المؤلفات الأدبية:

1 - خير الوصية: وهي قصيدة عظيمة مشتملة على الواجبات والمستحبات وعدد من التعاليم الإسلامية.

2 - ديوان شعر.

وفاته:

توفي في بلاد مهجره قرية «سَلْمَاباد» في البحرين سنة 1240 هـ ، وقبره معروف فيها.

ثانياً: أبنائه:

خلف الشيخ محمد بن عبد الله آل رمضان ثلاثة من الأبناء وهم:

1 - الأديب الشيخ علي بن محمد آل رمضان:

الشاعر الشيخ علي بن الشيخ محمد بن الشيخ عبد الله بن الشيخ حسن بن الشيخ بن الشيخ علي بن الشيخ عبد النبي آل الرمضان الأحسائي.

ولد بمدينة الهفوف في العقود الأخيرة من القرن الثاني عشر الهجري، فنشأ وسط محيط علمي وأدبي على يد والده العلامة والأديب الكبير الشيخ محمد بن عبد الله آل رمضان «صاحب قصيدة خير الوصية»، الأمر الذي انعكس على شخصيته فأسهم في بنائه العلمي والأدبي واتساع قابلياته.

أساتذته وشيوخه:

تلقى الشيخ علي علومه ودراسته على عدد من الأعلام في عصره عرفنا منهم:

- والده الشيخ محمد بن عبد الله الرمضان «ت 1240 هـ ».

- السيد حسين بن السيد عيسى بن السيد هاشم التوبلي البحراني.

- السيد صدر الدين بن صالح بن محمد الموسوي العاملي «1193 - 1264 ه‍».

- الميرزا السيد سليمان الحسيني الطباطبائي النائيني اليزدي «توفي حدود 1250 هـ ».

- الشيخ عبد المحسن بن الشيخ محمد اللويمي الأحسائي «ت1244 هـ »، من أبرز شيوخه وأقربهم إليه.

- الشيخ محمد بن عبد علي آل عبد الجبار القطيفي «ت 1253 هـ »، ويظهر أنه تتلمذ عليه وكانت بينهما علاقة وصحبة، حتى أنه أمره أن يكتب قصيدة كمقدمة لكتابه في الرد الزيدية.

هجرته:

هاجر من وطنه الأحساء حدود سنة 1210 هـ ، فعشق حياة التنقل والترّحَال، فكان كثير السفر بين البحرين وإيران التي تنقل بين مدنها، ولعل أكثر مدينة أقام بها شيراز وله فيها قصائد وأشعار، وفيها التقى أغلب أساتذته، إلا أنه كان طوال تلك الرحلات كثير التحنن والتشوق إلى بلاده الأحساء فكتب فيها أعذب الأشعار وارق الكلمات.

مؤلفاته:

- ديوان شعر.

- مجموعة رسائل أدبية وأخوانية.

- الكشكول.

استشهاده:

تشير الوثائق أنه رجع لبلاده حدود سنة 1264 هـ ، وسكن محلة الفوارس موطن أسرته، حتى قتل شهيداً بعدها بسنتين أثر التعصب الطائفي، والتشدد الديني عام 1266 هـ .

2 - الشيخ عبد الله بن محمد آل رمضان:

الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد آل رمضان، من الأعلام الورعين المعروفين بالتقوى والزهد، ولد بمدينة الهفوف، وفيها نشأ وتتلمذ على والده العلامة الشيخ محمد، وتأثر بشخصيته، إلى حين استشهاد أخيه الشيخ علي، انتقل للسكن بمدينة المبرز المجاورة، وفيها وجدت ذريته.

أديب وشاعر، وقد فقد معظم شعره، إلا النزر اليسير حيث أورد أخيه الشيخ علي مقطوعة منها ضمن ديوانه، مما يدلل على ملكته الشعرية وقوة موهبته.

3 - الشيخ: أحمد بن محمد آل رمضان:

عالم فاضل، لم يصل إلينا عن حياته وأحواله شيء، غير إنه لم يطب له المكوث في بلاده الأحساء بعد استشهاد أخيه العلامة الشيخ علي آل رمضان، فهاجر الى البصرة بالعراق وأقام فيها بقرية الحمادية حتى توفي ودفن بها وله ابن أسمه الشيخ محمد صالح هاجر من البصرة واستوطن الكويت، ولاتزال ذريته تقيم فيها.

4 - الحاج رمضان بن محمد آل رمضان:

وهو أصغر أبناء الشيخ سناً، وقد انجب إبان هجرة والده الشيخ محمد إلى سلماباد، وقد أسماه والده «رمضان» تيمناً بالجد الأعلى للأسرة، فنشأ وترعرع في محل هجرة والده، وفيها تكاثرت ذريته، وهم بها حتى اليوم.

ثالثاً: أثر الشيخ النراقي على شخصيته:

يعد الشيخ الفقيه والمحقق محمد مهدي النراقي الكاشاني «1128 - 1209 هـ »، أستاذ الأخلاق والعالم الرباني، والمعروف بصاحب «جامع السعادات»، أبرز أساتذة الشيخ محمد بن عبد الله الرمضان وأكثرهم تأثيراً على شخصيته، والذي تتلمذ عليه إما في النجف الأشرف التي أقام بها ردحاً من الزمن حيث أخذ على أعلامها، كما لا يبعد أن يكون محل اللقاء مدينة كاشان أو أصفهان المحطات التي أقام فيهما الشيخ النراقي ردحاً من الزمن تلميذاً وأستاذاً، وذاع فيهما صيته، ومثله جدير بأن يشدّ إليه الرحال، خاصة وأن علماء الأحساء خلال القرن الثاني عشر الحقبة التي كان نشاط الشيخ النراقي في أوجه وأعلى ذروته، حدثت هجرات علمية أحسائية كبيرة إلى مختلف مدن إيران العلمية كأصفهان، وشيراز، ويزد، وكرمان، وغيرها للقاء بالفقهاء والعلماء والأخذ على أيديهم ردحاً من الزمن.

والشيخ الرمضان عالم فقيه جليل القدر، وأستاذ بارز ومربي فاضل، استطاع أن يصقل شخصيته بالاستفادة من فحول العلم وأوتاده بمختلف أصقاع الأرض، وإن خفي عنا معظم مراحل حياته العلمية والدراسية، ولم يبرز منها إلا الثمرة ومرحلة العطاء، التي هي انعكاس لما سبق من ترقي في المراحل العلمية والدراسية والتربوية.

ومن هنا كان لشيخه الشيخ النراقي الذي يعد كتابه «جامع السعادات»، أبلغ الأثر وأتمه في مناحي حياة الشيخ الرمضان التربوية، وقد تجلت في كتابه عما سبقه من كتب أخلاقية سمات عديدة كان من أبرزها:

أنه جمع بين الجانب العقلي والنظري والفلسفي من جهة، وكذلك الجانب التطبيقي للأخلاق وبأسلوب متميّز وسلس، مما جعل كتابه المرجع الأول لطلاب العلم والمربين والسالكين في الأبعاد الأخلاقية والروحية لمن جاء بعده لحقبة طويلة، ولما تمتع صاحبه المحقق النراقي من إخلاص وصدق في كل كلمة كتبها، كان لهذا الكتاب كاريزما خاصة وتأثير ساحر، لا تجدها في مثيله من الكتب الأخلاقية، على كل من سلط نظره عليه وتمعن في كلماته.

وهذا يقودنا إلى أن التأثير الحقيقي للكتب الأخلاقية لا يقع إلا عندما يكون المكتوب والمسطر على الورق انعكاس واقعي لشخصية وسمات صاحبة ومصنفه، وهنا فقط تتدخل يد الغيب فتترك أثرها على قارئ الكتاب والناظر فيه.

والمتأمل في قصيدة «خير الوصية»، يلحظ هذا التأثر والحضور القوي لشخصية الشيخ النراقي في فكر الشيخ الرمضان ومنهجه الأخلاقي.

نسخ القصيدة:

حازت قصيدة «خير الوصية» ذات الأبعاد التربوية شهرة واسعة في حياة المصنف، وتقع القصيدة ذات القافية النونية في «220 بيتاً»، وكان لها انتشار واسع، وقد حصلنا على نسختين من المخطوطة وهي كالتالي:

النسخة الأولى:

نسخة ضمن مجموع كتب في حياة المصنف.

الناسخ: جعفر بن محمد حسين، المعروف ب الكاتب، وكان الفراغ منها سنة 1211 هـ ، حيث أنهى بعض أجزاء المجموع في ذي القعدة سنة 1211 هـ .

كتبت بخط جميل، بمقاس رقعي،

يقع المخطوط في الصفحات بين: 44 - 59، أي في 16 صفحة، من المجموع الخطي البالغ صفحاته: 202 صفحة، في كل صفحة: 15 بيت، بمقاس: 11,5x17سم.

ويتضمن المجموع عدد من المنظومات الشعرية: أبيات للمحقق نصير الدين الطوسي «597 - 672 هـ »، تتضمن أوقات الساعات، ومنظومة في الطالع والغارب والمتوسط والوتد، ومنظومة في الصفات الذاتية لجلال الدين السيوطي، ومنظومة فيمن قام بتوسعة البيت الحرام، ومنظومة لابن سينا، وأبيات لطاهر بن عرب الأصبهاني، ومنها منظومة في بالبلاغة، وغيرها.

وتعد أقدم نسخة خطية للقصيدة موجودة.

مكان المخطوط: مكتبة مجلس الشورى الإيراني، ضمن مجموع خطي، برقم: 1825.

النسخة الثانية:

يقع المخطوط ضمن «كشكول» الشيخ حسين بن الشيخ علي البلادي القديحي «1302 - 1387 هـ ».

أولها: مما قاله العالم الكامل الأمجد الأواه الشيخ محمد بن عبد الله بن رمضان الأحسائي، رحمه الله في ذم الدنيا، والوصية بأداء الواجبات والمندوبات وترك المحرمات والمكروهات قاصداً بها ابنه عبد الله وأخوانه، نفعنا الله بها وجميع المؤمنين آمين.

الناسخ: الشيخ حسين بن علي القديحي البلادي.

قال في نهايتها: كملت جز الله منشئها خيراً وتغمده وإيانا ووالدينا وجميع المؤمنين برحمته الواسعة إنه أرحم الراحمين، وصلى الله وسلم على محمدٍ وآله الطاهرين المعصومين وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين.

تقع القصيدة في تسع صفحات، في كل صفحة: 26 بيت. ضمن الكشكول الواقع في: 193صفحة، وتبدأ القصيدة من الصفحة: 141 إلى الصفحة: 149، وقد كتبت بخط معتاد.

والكشكول يتضمن الكثير من الفوائد والعلمية والأدبية التي من اختيار المصنف، خاصة لعدد من علماء القطيف، وهو جدير بأن يحقق وينشر لتتم الفائدة ويعم النفع.

مكان المخطوط: مكتبة الشيخ حسين بن الشيخ علي البلادي القديحي الخاصة.

النسخ المطبوعة:

الطبعة الأولى: طبعت للمرة الأولى مستقلة في، مطبعة أوال: البحرين، الطبعة الأولى: 1374 هـ - 1974م.

الطبعة الثانية: وطبعت القصيدة للمرة الثانية ناقصة سنة 1380 هـ ، وكانت ملحقة بكتاب «الروضة العلية» للعلامة الشيخ علي الجشي القطيفي.

الطبعة الثالثة: طبعت مستقلة في السنوات الأخيرة بتحقيق العلامة السيد هاشم بن محمد الشخص، ونشرت أولاً ضمن أعلام هجر، ثم نشرها مستقلة فكان من طبعاتها الأخيرة سنة 1442 هـ ، بعنوان «قصيدة خير الوصية»، وقد قدمها بترجمة موجزة للشيخ العلامة الرمضان.

وقد نشرت ضمن كتابنا «الشاعر علي الرمضان طائر الأحساء المهاجر»، اعتماداً على نسخة مطبعة أوال.

فكرة قصيدة خير الوصية:

أراد الشيخ الرمضان أن يخط منهجاً وطريقاً لأبنائه في حياتهم يقودهم إلى الجنة عبر التحلي بالصفات الإيمانية والأخلاق الحميدة والابتعاد عن الرذائل والصفات المذمومة، إضافة إلى العلاقات الاجتماعية وصلة الرحم، وهي تمثل المسؤولية الأبوية التي يرجو من خلالها لأبنائه المستقبل الزاهر في الدراين.

والذي نفهمه من الوصية الرائعة إن الشيخ محمد آل رمضان يقدم لأبنائه تجربته في الحياة ومنهجه الذي سار عليه في حياته، وهذا يكشف لنا الخلق الراقي والروح الإيمانية العالية التي تمتع بها الشيخ الرمضان رحمة الله عليه.

هيكلة القصيدة:

بدأ الشاعر قصيدته بذم الدنيا وأنها دار شقاء وبلاء وفتن، فلا تخلو من الهموم والغموم والمصائب المختلفة، وليس بدار المقام والبقاء، وقد افتتحها بقوله:

هي الدار دار العنا والمحن

ودار الغرور ودار الحزن

ودار الكروب ودار الحروب

ودار الخطوب ودار الفتن

بعدها شرع في بيان الصفحات الحميدة والأخلاق العالية التي يتمناها كل أب في أبنائه منها الثقة بالله وموالاة الرسول’، والأئمة الطاهرين^، ثم الحث على الجوانب العبادية كالصلاة والزكاة والصيام والحج، وتحدث في بعض أبياتها عن النهي عن أكل الربا والزنا وشرب الخمر، التي من الموبقات، كما حث إلى بر الوالدين وفضلهما على الأبناء، ولم يغفل عن الوصية بالأرحام والجار وإكرام الضيف، ويستطرد الشاعر في رحلة تربوية أخلاقية عبادية اجتماعية في عشرين فصلاً يجد المرء من خلالها منهجاً تربوياً متكاملاً الأبعاد والأطر.

وقد ختمها بقوله:

ب «خير الوصية» سميتها

فطوبى لعبدٍ بها يعملن

وصلى الإله على المصطفى

وعترتهِ وما استقامت سُنن

ملامح الفكر التربوي في قصيدة خير الوصية:

بدأ الشيخ الشاعر الرمضان قصيدته بذكر عدد من المرتكزات والقواعد التي ينبغي أن ينطلق الإنسان منها في منهجه الأخلاقي والتربوي، بغض النظر عن السمات والصفات التي سيتحدث عنها لاحقاً، وجعل هذه المرتكزات انطلاقة أولى وحقائق على الإنسان إدراكها والعمل بها قبل كل شيء:

أولاً: إن الدنيا دار شقاء وليس بقاء:

هي الدار دار العنا والمحن

ودار الغرور ودار الحزن

ودار الكروب ودار الحروب

ودار الخطوب ودار الفتن

بهذه الكلمات يفتتح الشاعر منظومته الشعرية، ثم يسترسل في بيان حقيقة الدنيا كما يراها الشاعر والمربي الرمضان، وأنها ليس بالشيء يتكئ عليه ويبنى عليه الآمال، وإن خدعت الإنسان في بعض المراحل فمما قاله:

فمن رام يوما بها أن يعيش

خلياً من الهم فهو الأجن

فلا العذبُ منها خلا من أجاج

ولا الصفو منها خلا من درن

فلا تأملن بها راحة

وفي رغد العيش لا تطمعن

ويستعرض الشاعر مستدلاً على رؤيته التربوية بحال الزعماء والأغنياء والأنبياء والاوصياء فحياتهم شاهد على طبيعة الدنيا وديدنها.

ثانياً: الثقة بالله سبحانه وتعالى:

فإذا كان هذا حال الدينا وطبعها الذي لا يتغير، فليس على الإنسان سوى الرجوع واللجوء إلى الله سبحانه وتعالى فالثقة به والسير وفق أوامره هو الخلاص والمنجى من جميع الهموم والغموم، والذي ينبغي الطمع فيه والسعي له هو لطف الله ورحمته عبر عمل الصالحات وترك السيئات، فقال:

فثق بالإله وحقق رجاه

ومن لطف ذي اللطف لا تيأسن

ثالثاً: أخذ المنهج الأخلاقي من الرسول وأهل بيته الأطهار:

فوفق منهج ومدرسة أهل البيت، فإن النبي ’، وذريته الأبرار هم ترجمان القرآن، ومن خلالهم ندرك عمق معانيه، وتفسير إشاراته الغامضة، فمن سار على نهجهم أدرك الحقيقة وسار على جادة الصواب، وقد أراد الشاعر الرمضان تبيان هذه المعنى من خلال أبياته الشعرية:

ووال الرسول وآل الرسول

وعنهم فخذ محكمات السنن

ولا تأخذ الدين من غيرهم

وفيه سواهم فلا تتبعن

فهم شركاء الكتاب المبين

كما جاء نصٌّ عن المؤتمن

من الأبعاد التربوية في خير الوصية:

حاول الشاعر أن يجعل من قصيدته منهجاً أخلاقياً وتربوياً يتناول من خلالها أبعاد الشخصية المختلفة والتي يمكن تلخيصها في ثلاثة أبعاد:

أولاً: البعد العقلي والنظري:

ونعني بها هي تلك الأخلاق والسمات الصالحة في كل زمان ومكان، وتكون مغروسة في النفس، وهي الأخلاق العليا التي تنبع من داخل الأنسان وتعكس المعدن الطيب والإيمان داخل الإنسان، بلا تصنع من قبيل صفات الصدق والأمانة والحلم والشجاعة والمروءة والكرم والإيثار والحياء والشكر، وغيرها من الأخلاق الفاضلة التي حث عليها الديني الإسلامي من خلال آيات القرآن الكريم، والروايات الشريفة عن النبي الأكرم’، وأهل بيته ^، وأنها ينبغي أن تكون نابعة من داخل المؤمن وأعماقه.

وفي المقابل ترك الصفات الذميمة التي دعا الإسلام إلى تركها وأن صاحبها منبوذ في الوسط الديني والاجتماعي، والتي تعددت الآيات حولها وتواترت الروايات في الدعوة للبعد عنها وعدم التطبع بها، ويعبر علماء الأخلاق عن كلا الجانبين بالفضائل والرذائل:

الفضائل:

تحتل الفضائل والصفات الحميدة معظم أرجاء الأرجوزة تناولها بألوان وأشكال مختلفة، نستعرض شطراً من الأبيات التي تحدث فيها الشيخ الرمضان عن هذه الفضائل:

وإن الشجاعة زين الرجال

بها يبلغ المرء عالي القنن

فزنها بحلمٍ وعقلٍ ولين

ولا تطغين ولا تُعجبن

ويقول في موضع آخر:

تواضع لمن قد علا أو دنى

وفي أحدّ قط لا تزهدن

بخفض الجناح تنال النجاح

من الله وارحم لكن تُرحمن

وكف اللسان تنالُ الأمان

فلا تشتمن ولا تكذبن

ومن الجوانب المهمة التي تكلم عنها الشاعر مسألة برّ الوالدين، وقد شدد عليها بقطعة ليست يسيرة من قصيدته جاء فيها:

وبالوالدين فكن محسناً

فقد أرضعاك هني اللبن

وفي غير ما حرم الله لا

تخالفهما فيه أو تعصين

وسارع لبرهما في الحياة

وبعد الممات فلا تقطعن

فشكرهما في الكتاب المبين

صريحاً بشكر الإله اقترن

وقد استرسل الشاعر في أبياته وذكر على العديد من الصفات الحميدة التي اعرضنا عن ذكرها مراعاة للاختصار والإيجاز.

الرذائل:

ذكر الشاعر العديد من الصفات الرذيلة التي ينبغي تجنبها على العبد المؤمن ناصحاً أبنائها بتركها والابتعاد عنها منها:

وإياك والجبن عند النزال

ففي الجبن عارٌ على من جَبُن

وقال في موقعٍ آخر:

ولا تغتب الناس فيما علمت

من العيب فيهم ولا تقذفن

ومن الرذائل والعادات الذميمة التي ينبغي تركها والابتعاد عنها ترك أكل الربا والزنا وشرب الخمر، فقال فيها أبيات منها:

ولا تقربن الربا والزنا

وللمسكرات فلا تشربن

فإن الزنا من كبار الذنوب

وفي النار فاعله يخلدن

وأكل الربا موبق مهلك

شبيه الزنا بل له يفضلن

ثانياً: البعد الاجتماعي:

الفرد جزء من مجموعة كبيرة تحيط به تسمى المجتمع منهم القريب ومنهم البعيد، وفيه الغني والفقير والمحتاج، وفيه العالي والداني، هذا المجتمع بمختلف شرائحه وطبقاته نحتاج إلى اتخاذ منهج في التعامل والسلوك، يتوافق مع كل شريحة بما يناسبها، والشيخ الرمضان يعطي في وصيته عدد من الأفكار والرؤيا، تنم عن إيمان راسخ وخبرة اجتماعية عميقة أوجزها في أبيات قليلة وزعها في نواحي المنظومة، نذكر جزءً منها:

منها في الوصية بالجار وإكرام الضيف:

فللجار حقٌ على جاره

بنص الكتاب له الله سَن

وقم بالضيافة في وقتها

فبالضيف يُعمرُ ذاك الوطن

وللبيت يأتي برزقٍ جديد

ويخرج عن أهله بالدرن

وفي نفس الوقت يؤكد على السعي لطلب الرزق والعمل والكد وعدم العيش حياة الذل والمهانة:

وكن دائماً راضياً قانعاً

وإياك إياك أن تسألن

فإن السؤال يُّذلُّ الرّجال

ويرغم أنف الفتى والذّقن

وصن ماء وجهك لا تُبده

إلى الناس يوماً ولا تُهرقن

وضمن القصيدة الحث على أداء الأمانة وترك الظلم وبخس الكيل والميزان:

وأدِّ الأمانات في أهلها

ولو كان صاحبها ذا وثن

وإياك إياك ظلم العباد

ففيه القصاص ولا يُغفرن

وإياك غُشّ امرئ مسلمٍ

وفي الكيل والوزن لا تُنقصن

ونجده في هذا الجزئية يبين العلاقات التجارية وآداب البيع وأهم الصفات التي ينبغي أن يتحلى بها البائع والتاجر بأبيات جميلة ورائعة جديرة بأن تكون دستوراً في الحياة.

ثم يؤكد على نقطة مهمة يتغافل عنها الكثير من الناس بدافع الصحبة والصداقة وهي مصاحبة أهل الفسوق والفجور، فكان مما نهى عنه مصاحبة الفسّاق والحذر من جميع الناس:

وأنهاك عن صحبة الفاسقين

فإن لم تكُن منهم تتهمن

ولا لوم فيها على تاهميك

لُهم قام عذرٌ على سُوء ظن

فإن لم تجد عاقلاً صالحاً

تقياً وفيّاً فلا تصحبن

وهذا عزيزٌ بهذا الزمان

قليلُ الوجود فلا تطلبن

بهدها نجد الشاعر يسترسل في ضرورة الحذر من الناس وأن التعامل يكون بالحسنى بحسب الظاهر، وأهمية مدارات الناس والتعامل معهم بالحسنى.

ثالثاً: البعد العبادي وبناء الروح:

وفي هذا تكلم الشاعر الرمضان عن الوجبات فهي أوامر الله سبحانه، وعامود الدين، وعليها مدار الثواب والعقاب، وقد تناولها في عدد من الأبيات نستعرض شطراً منها:

وأدِّ الصلاة وآت الزكاة

فهذي بهذي إلهي قرن

فمن لم يزكِ كمن لم يصلِّ

ومن لم يصلِّ فلن يسلمن

وصم واجب الصُّوم مع نفله

فإن الصيام زكاة البدن

وحج إذا استطعت بيت الإله

ومهما تمكنت لا تُمهلن

يتجلى من خلال الأبيات البعد الفقهي لدى الشاعر الرمضان، وهي إن الدين الإسلامي دين تكاملي مرتبط بعضه ببعض فلا يتقبل عمل العبد إذا أخل بأحد الواجبات المفروضة، فكأنما ترك الجميع، وذهب عمله هباء، والشيء اللافت في أبيات الشيخ الرمضان إنها تتكئ في جميع أبياتها على آيات الذكر الحكيم، وروايات النبي وأهل بيته مكتفياً بالإشارات لما يقتضيه الإيجاز الشعري.

ولم يغفل عن المستحبات لما لها من أثر في قبول الأعمال وارتباط بالوجبات، فتكلم عن العديد منها مع التركيز على بعضها:

1 - زيارة النبي، وأئمة البقيع فبعد أداء فريضة الحج:

وزر بعد قبر خير الأنام

ومن بالبقيع لكي تكملن

ثم عرج على أئمة العراق والإمام الرضا^ في إيران:

وقبر الإمام عليّ الوصي

وقبر الحسين ابنه المؤتم

زيارة قبر الإمام الحسين

لسبعين من حجنا تعدلن

ويسترسل في أبياته الرائعة والسلسة في بيان فضل الزيارة وآدابها للمعصومين، والقصيدة من أجمل المنظومات الشعرية وأجودها.

2 - الدعاء أعقاب الصوات:

وهو من الأمور العبادية الهامة التي يتقرب فيها العبد إلى خالقه، وقد أشار لها ببعض أبياته وأكد خلالها على آداب الصلاة:

وبعد الفراغ فخذ في الدعاء

وفي طلب الخير منه ارغبن

فإن الدعا بعدها مستجاب

إلى الله يرقى ولا يحجبن

ولم يغفل عن الإشارة إن الدعاء له أوقات يكون فيها محل استجاب وقبول عند الله منها أعقاب الصلوات.

3 - صلاة الليل:

فقد ورد في الحديث عن الإمام الصادق ×: >صلاة الليل تحسّن الوجه وتحسّن الخلق وتطّيب الريح وتدرّ الرزق وتقضي الدّين.

فهي المفتاح لكثير من الخير الرباني، وتاركها خاسر للكثير من الفضل والمقام، وقد حاول الشاعر خلال أبيات عديده في الحديث عنها وعن فضلها وآثرها، نذكر منها:

وفي آخر الليل قم للصلاة

وناجِ الإله بوقت الدّجَن

وإياك والنوم قبل الصبّاح

فلا خير في عيشِ من يرقدن

ثم يعيش الهيام مع هذه الصلاة ذات الأثر الساحر حيث يلتقي العبد بربه الحبيب بالمحبوب، وهو يستشعر لحظاتها وساعاتها:

به يلتقي الحِبُ مع حُبهِ

وعين الرقيب غشاها الوسن

ويدلي إليه بحاجاته

ويبدي من السّرِّ ما قد بطن

خاتمة:

نخرج من خلال ما سبق بمجموعة من النتائج وهي:

1 - إن الشيخ محمد بن عبد الله آل رمضان أحد أعلام التربية والأخلاق الجديرين بالنظر في منهجهم الأخلاقي حال الكثير من علماء الأخلاق السابقين.

2 - إن قصيدة خير الوصية من القصائد الرائعة والجديرة بالتحقيق والتحليل والدراسة، فإنها رغم تحقيقها فإن التحقيق لم يتم فيه اتباع الخطوات العلمية في التحقيق كالتعريف بالنسخ المعتمدة وصوراً لها، إضافة إلى المنهج المتبع في التحقيق، شرح الكلمات بيان بعض الإشارات التي تضمنتها القصيدة.

3 - إن التقسيم لعشرين فصلاً للقصيدة جاء في الطبعة الأولى سنة 1374 هـ ، واستمر مع كل من نشرها بعده، واعتقد إن هذا التقسيم يحتاج مراجعة وتحري الدقة أكثر.

4 - إن ما كتبته عنها لا يمثل إلا لمعة بسيطة أردت لفت النظر عليها من قبل المختصين سواء الباحثين أو الدارسين لكونها مادة خصبة جديرة بان يلتفت لها حالها حال المنظومات النحوية والبلاغية والعروضية والعقدية والفقهية وغيرها.

7 - أرجو أن وقفت في إبراز هذه العلم الذي كان يمثل حالة خاصة في عصره وعملة نادرة ومدرسة أخلاقية وتربوية عالية.

8 - لنا وقفة أخرى مع هذه المنظومة الرائعة نتناول جانباً آخر تناولته هذه القصيدة تخليداً لها ولصاحبها إن شاء الله.