آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

تأملات رمضانية 22

محمد أحمد التاروتي *

منافسة الفوز وتحقيق الكسب الكثير في المتاجرة، مع الخالق في شهر رمضان المبارك، لا تقتصر على اطار محدد من العبادات والاعمال الصالحة، نظرا لاتساع أبواب العمل الصالح في الشهر الفضيل، الامر الذي يعطي الصائم الخيارات العديدة، لاختيار الأبواب المناسبة للولوج من خلالها، ”هو شهر يزيد الله فيه الأرزاق والآجال“.

التحرك الصادق باتجاه ترجمة مفاهيم الفوز بجوار الصالحين، عملية أساسية للحصول على الرصيد الضامن للوصول لتلك الدرجة العالية، خصوصا وان مشوار العمل الصالح محفوف بالاشواك، والعديد من المصاعب والكثير من الاغراءات ”تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا“، وبالتالي فان مجرد التمني ورسم الاحلام الوردية، ليس كافيا للوصول الى مرتبة الفوز بالجنان، والابتعاد مسافات طويلة من خطر السقوط، في اوحال الحبائل الشيطانية، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۚ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ.

عناصر الفوز بمجاورة الصالحين، تبدأ من الذات وترويضها وعدم الانسياق وراءها، ”وإنما هي نفسي أروضها بالتقوى لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر“، فالمرء يمتلك القدرات والإرادة القوية للسيطرة على الذات، بما يعود عليه بالصلاح والنجاح، في الدنيا والاخرة، وبالتالي فان مشوار الصلاح ينطلق من الذات، والعمل على تحريرها من القيود الشيطانية، التي تدفعها باتجاه الركون للأرض، والاتجاه نحو تخريب المفاهيم الدينية، وتدمير المنظومة الأخلاقية، الامر الذي يوسع المسافة مع درجة الصالحين، والخروج من دائرة الفوز، والاقتراب نحو الهاوية، والسقوط في مستنقع الخسارة الكبرى.

طريق الصلاح واضح، وسبيل الهلاك معروف، فالمرء يمتلك الإرادة الكاملة للاختيار، مما يجعله يتحمل مسؤولية خياراته، نظرا لانتفاء عنصر الاجبار في السير، بإحدى تلك الطرق الواضحة، فالانسان الذي يتحرك للفوز بمجاورة الصالحين، يعرف كيف يختار الجادة الصائبة، مما يستلزم التوجه نحو الاعمال الصالحة، ومحاولة قتل الاهواء الشيطانية، من خلال مخالفة النفس ﴿إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ، فيما الانسان الذي ينساق وراء المغريات، سيجد نفسه غارقا في بحر الذنوب، ويجد صعوبة كبرى في الانتصار، مع معركة مخالفة الاهواء والمغريات، ”انظر كيف تكون في ليلك ونهارك وكيف تحفظ جوارحك عن معاصي ربك“.

الصوم احدى الوسائل للانخراط بقوة، في طريق مجاورة الصالحين، نظرا لقدرة هذه الفريضة الإسلامية على صقل الذات، وتطويعها بما ينسجم مع الفطرة السليمة، وتقويم السلوك الديني، من خلال الإصرار على رفض الاهواء الشيطانية، الساعية لخدش هذه العبادة، الامرالذي يعطي الصائم القدرة على وضع الأمور في المسار الصحيح، من خلال التوجه الصادق نحو الخالق بالعبادة، والاعمال الصالحة، مما يسهم في قطع مسافات متفاوتة، في مشوار مجاورة الصالحين، نظرا لاختلاف القابلية لدى الصائمين، فالبعض يمتلك القابلية الكبيرة، لرفع الرصيد الاخروي بشكل كبير، فيما البعض الاخر بحاجة الى بعض الوقت للحصول على تلك القدرة الكبيرة، لقطع مسافات طويلة في مشوار مجاورة الصالحين ”انظر أن لا تكون بالليل نائماً وبالنهار غافلاً فينقضي شهرك وقد بقي عليك وزرك فتكون عند استيفاء الصائمين أجورهم من الخاسرين“.

معركة الانتصار على الذات، والاقتراب خطوات كثيرة، نحو مجاورة الصالحين، عملية أساسية في حياة المسلم، فالعملية مرتبطة بالقدرة على تجسير المفاهيم الراسخة، بالعتق من النيران والفوز بالجنان، وبالتالي فان هذه المفاهيم حوافز داخلية نحو الإصرار، على الانتصار في معركة مجاورة الصالحين، والفوز بجنة عرضها السماوات والأرض، ﴿وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ.

”أيها الصائم تدبر أمرك فإنك في شهرك هذا ضيف ربك، انظر كيف تكون في ليلك ونهارك وكيف تحفظ جوارحك عن معاصي ربك، انظر أن لا تكون بالليل نائماً وبالنهار غافلاً فينقضي شهرك وقد بقي عليك وزرك فتكون عند استيفاء الصائمين أجورهم من الخاسرين، وعند فوزهم بكرامة مليكهم من المحرومين وعند سعادتهم بمجاورة ربهم من المطرودين“.

كاتب صحفي