آخر تحديث: 24 / 4 / 2024م - 11:30 ص

تأملات رمضانية 23

محمد أحمد التاروتي *

يترقب الصائمون بفارغ الصبر توفيق الله ببلوغ ليلة القدر، باعتبارها ﴿خير من الف شهر و﴿تنزل الملائكة فيها حتى مطلع الفجر و﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ، مما يحفز على الاجتهاد في احيائها بالعبادة، والعمل على استغلالها بالطريقة المناسبة، لاسيما وانها لا تتكرر سوى مرة واحدة في السنة، الامر الذي يحرك الصائم على تحري تلك الليلة، عبر الاستعداد النفسي والجسدي لاحيائها.

اخفاء ليلة القدر وعدم اظهارها بشكل علني، باستثناء تحري هذه الليلة في العشر الاواخر، احدى المحفزات لمحاولة الاجتهاد في احياء الليالي ”الفردية“، من اجل الفوز ببلوغ هذه الليلة العظيمة، «التمسها في ليلة إحدى وعشرين أو ليلة ثلاث وعشرين»، «التقدير في ليلة تسعة عشر، والإبرام في ليلة إحدى وعشرين، والامضاء في ليلة ثلاث وعشرين»، فانقضاء تلك الليالي دون احيائها بالعبادة، وبما تستحق من الاهتمام، يعكس عدم التوفيق، مما يحدث حالة من الحسرة لدى الصائم، من فوات احدى الليالي العظيمة، والتي تمتاز بكونها ”وهو شهر فيه ليلة نزلت الملائكة فيها من السماء فتسلم على الصائمين والصائمات بإذن ربهم إلى مطلع الفجر وهي ليلة القدر فيها“.

احياء ليالي القدر امر مطلوب، من اجل الدخول في جملة العتقاء من النار، فضلا عن كونها احدى الليالي التي تكتسب أهمية بالغة، حيث يقدر فيها ما يكون في تلك السنة، فيكتب فيها ما سيجري في ذلك العام، وهذا من حكمته تعالى، وبيان إتقان صنعه وخلقه، " تنزّل فيها الملائكة والروح والكتبة الى السماء الدنيا، فيكتبون ما هو كائن في أمر السنة وما يصاب العباد فيها. قال: وأمر موقوف لله تعالى فيه المشيّة، يقدم منه ما يشاء، ويؤخّر ما يشاء، وهو قوله تعالى: ﴿يَمْحُو الله ما يَشَاء وَيُثَبّت وَعِنْده أمّ الكِتَابْ.

ولعل احدى اسرار إخفاء ليلة القدر، وتحريها في العشر الاواخر، يكمن في التشويق الدائم لهذه الليلة، وحث الصائم على زيادة الجرعات العبادية، في الليالي المحتملة، الامر الذي يسهم في زيادة رصيده من الثواب، والحرص على احياء تلك الساعات الفضيلة بالعبادة، مما يساعد في غفران الذنوب، وإزالة الشوائب العالقة على الصدور، خصوصا وان الصائم يكون اقرب ما يكون الى الله، نظرا لوجود الكثير من المحركات لاداء الاعمال العبادية، ”وهو شهر يفتح فيه أبواب السماء وأبواب الرحمة ويغلق فيه أبواب النيران وهو شهر يسمع فيه النداء ويستجاب فيه الدعاء ويرحم فيه البكاء“.

احتضان شهر رمضان ليالي القدر، يعطي هذا الشهر الفضيل الكثير من القدسية والاهتمام، خصوصا وان الشهر يكتسب أهميته من كونه، ”إن هذا الشهر شهر فضله الله على سائر الشهور“، الامر الذي يتجلى في الحفاوة الكبيرة، التي تعم ارجاء الدول الإسلامية، بمجرد رؤية هلاله، بحيث تنقلب الحياة العامة رأسا على عقب، بالإضافة للانقلاب الواضح في الممارسات العبادية، لدى الصائمين طيلة أيام الشهر الكريم، ”شهر رمضان سيد الشهور، وليلة القدر سيدة الليالي“، ”من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً، غفر الله ما تقدّم من ذنبه“، وبالتالي فان وجود ليالي القدر في هذا الشهر الفضيل، يعزز من أهميتها، ويكسبها حفاوة كبيرة لدى الجميع، انطلاقا من كونها ”من أحيا ليلة القدر غفرت له ذنوبه ولو كانت عدد نجوم السماء ومثاقيل الجبال ومكائيل البحار“.

”إن هذا الشهر شهر فضله الله على سائر الشهور كفضلنا أهل البيت على سائر الناس وهو شهر يفتح فيه أبواب السماء وأبواب الرحمة ويغلق فيه أبواب النيران وهو شهر يسمع فيه النداء ويستجاب فيه الدعاء ويرحم فيه البكاء وهو شهر فيه ليلة نزلت الملائكة فيها من السماء فتسلم على الصائمين والصائمات باذن ربهم إلى مطلع الفجر وهي ليلة القدر فيها ولايتي قبل أن خلق آدم بألفي عام صيام يومها أفضل من صيام الف شهر والعمل فيها أفضل من العمل في الف شهر“.

كاتب صحفي