آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 12:12 م

خارطة طريق

ورد عن رسول الله ﷺ: اَللّهُمَّ ارْزُقْني فيهِ الذِّهْنَ وَالتَّنْبيه..» «مفاتيح الجنان ص 319».

الصوم ينطلق بنا في ميادين الحياة من خلال امتلاك مفاتيح التفكير والتعامل مع المشكلات والأزمات والمعوقات بعين البصيرة والعقل لا الحيرة والتهور والعجز، فإذا ما تعاملنا مع المواقف الصعبة بالروية وهدوء النفس وتفحص أي مشكلة بالنظر في أبعادها وعواملها ونتائجها، فإن ذلك سيقودنا بالتأكيد نحو البحث في المعطيات والمعلومات عندنا للوصول إلى مقترحات وحلول ممكنة بما نسميه «خارطة طريق»، نعمل على تنفيذ ما توصلنا إليها بشكل عملي مع تحمل ما نواجهه من متاعب وسقطات.

ومن جوانب الحركة العقلية عند الإنسان الحكيم هي النباهة بمعنى الحذر والنظر في جوانب وعواقب الأمور والنتائج المحتملة، فكم من المذكرات والمنبهات تكون ماثلة أمام مرأى العقل وهو يعرض عنها صفحا، بسبب الانشغال والانهماك في التعاطي مع مغريات الحياة، ولا ينقذه من الافتتان بها سوى التفطن لمخاطرها وما تورثه النفس من آفات وأمراض أخلاقية كالطمع وقسوة القلب وغيرها.

وإذا بحثنا في هذا الشهر الكريم وما يقدمه لنا من دروس في التربية الروحية والأخلاقية، سندرك حينها تلك الملهيات والأجواء اللهوية المفرطة التي تسلبنا جوائزه السنية، فالهدر في الأوقات وتخدير العقل بالتعامل المفرط مع مواقع التواصل، واستقبال كل ما هب ودب من مقاطع ومحادثات لا تعود على عقولنا بفائدة في مجال إثراء المعلومات أو تنمية المدركات، بل هي عبارة عن قضاء الأوقات وتضييعها بدلا من وضع خطة وتنظيم للوقت يتناسب وعظمة شهر رمضان المعظم.

ومن عين النباهة والحكمة أن يصغي المرء إلى أصوات الوعظ والإرشاد المسموعة والمرئية والمقروءة والتي تعد زادا لمخزونه المعرفي، كما أن اتخاذ الأصدقاء المخلصين ممن يودونه ويتواصون معه بالحق والخير والصلاح يقربه من الخط الإيماني والتقوائي.

فالعنوان الأبرز للتكريم الإنساني والتميز هو ما حباه الله تعالى به من عقل مفكر يجلي له الحقائق ويوصله إلى المعارف المفيدة ويميز به بين خطوات طريق الخير أو الشر، وأما إذا ما تم إلغاء تحكم وسيطرة العقل في منطقنا وتصرفاتنا فسيفسح ذلك للخضوع لحالة الهذيان وعدم النظر في عواقب الأمور وتخريب المستقبل الأخروي، ولذا فإن الاهتمام بتنمية المدركات العقلية والتفكير السليم يمثل أمرا مهما لأداء الدور اللائق بالإنسان المكرم.

ومن أهم الأدوار التي يؤديها العقل المفكر تبصرة الإنسان بمخاطر الطريق والعثرات التي تواجهه في علاقته بربه وبالناس، فالامتحان الإلهي ينعقد في أحد طرقه بالابتلاء بالمصاعب والعثرات والمشاكل، والتي يحتاج في مواجهتها إلى بصيرة تكشف له عن العوامل المؤدية لذلك والاحتمالات والحلول المؤدية لخلاصه أو التخفيف من آثارها، وأما من يلغي عقله ويغلب عواطفه في تقييمه للمواقف والأحداث والحكم على الأفكار فإنه سيجانب الصواب والحكمة.

فما نلاحظه من خلال الأدعية الرمضانية وغيرها أنها ليست مجرد كلمات يرددها الداعي دون أن يرتبط بمعانيها، بل لها دلالات ومضامين تدعو إلى تربية الإنسان وتخلقه بالصفات والسلوكيات الإيجابية، فهنا إشارة إلى التربية العقلية والتوجيه لأخذه زمام أمور الفرد، فيحكم على الأمور متحليا ببصيرة تقوده إلى اتخاذ القرار والموقف المناسب، والإمساك عن المفطرات قرار حكيم يحتاج إلى إرادة وحذر من الوقوع في المخالفة ورقابة للجوارح من تناول المحرمات، وإذا ما انسحب الأمر على مجمل جوانب حياة المؤمن ومواقفه، فهذا يعني تجلي الحكمة ورجاحة العقل والفطنة في منطقه وسلوكياته، وهكذا نرى تربية الصوم لعقولنا في بلوغها درجة النباهة ونفض دثار الغفلة والجهالة.