آخر تحديث: 18 / 4 / 2024م - 1:06 ص

تأملات رمضانية 28

محمد أحمد التاروتي *

يحمل شهر رمضان المبارك، الكثير من البشائر الإلهية للصائمين، مما يحفزهم على مضاعفة الاعمال الصالحة، طمعا في جزيل الثواب، فالشهر الفضيل يمتاز عن غيره من الشهور بالكثير من العطايا الربانية، الامرالذي يفسر الحفاوة الاستثنائية، التي يحظى بها لدى الجميع، باعتباره ”شهر المغفرة والرضوان“، وبالتالي فان الصائم يجد نفسه محفوفا للعناية الإلهية طوال الشهر الكريم، حيث توزع البشائر الإلهية على الجميع، بهدف حث الصائمين على استغلال هذه الفرصة الزمنية النادرة، خصوصا وان المزايا الظاهرية لشهر التوبة، لا تقارن بما خفي عن العباد من فضل كبير، لهذا الشهر الكريم ”لو يعلم العبد ما في رمضان، لودّ أن يكون رمضان السنة“.

البشائر الالهية للصوم عنصر محفز، للاقبال بجميع الجوارح، على أداء هذه العبادة بنيات صادقة، لاسيما وان القبول مفتاح للفلاح، وعنوان للصلاح في الاخرة، فالصائم يرجو القبول من الخالق طمعا في رضوانه ودخوله جنانه ”اللّهُم افتح لي فيه أبواب فضلك وأنزل علي فيه بركاتك ووفقني فيه لموجبات مرضاتك وأسكني فيه بحبوحة جناتك يا مجيب دعوة المضطرين“، وبالتالي فان الصائم يتحرك باتجاه القرب الإلهي طيلة الشهر الكريم، خصوصا وان المساحات المتاحة والواسعة، للوصول الى طريق الحنان، تدفع باتجاه مجاهدة النفس، نظرا لتهيئة الأجواء المساعدة على اعانة الصائم على مقاومة الهوى، والوقوف امام الوساوس الشيطانية الكثيرة ”وتُصفّد فيه مردة الشياطين، فلا يصلوا فيه الى ما كانوا يصلون في غيره“.

البشارات الربانية للصائمين عديدة، وغير مؤطرة بحدود ضيقة، فالصائم يمتلك الخيارات العديدة، للانخراط في الاعمال الصالحة على اختلافها، خصوصا وان أبواب البر والاحسان واسعة، وليست محدودة بنطاق معين، مما يفتح الطريق امام الصائم للبحث عن تلك السبل، والعمل على السير فيها، بهدف فتح أبواب السماء، والدخول في فريق الفائزين والمستغفرين والتائبين، ”اللّهُم حبب الى فيه الإحسان وكره الى فيه الفسوق والعصيان، وحرم علي فيه السخط والنيران بقوتك يا غوث المستغيثين“.

الصائم يجد البركات الإلهية، بارزة خلال شهر رمضان المبارك، فالمرء يلاحظ التوفيق الرباني خلال الشهر الكريم، من خلال إزالة العراقيل والعقبات المادية والمعنوية، التي تقف في طريق العبادة، حيث يلاحظ الاقبال غير الاعتيادي على العبادة طيلة الشهر الكريم، خصوصا وان عبادة الصيام تحفز على مراقبة الذات، والحرص على القيام بالواجبات، والتحرك باتجاه صياغة النفس بما يرضي الخالق، الامر الذي يتجلى في العديد من الممارسات الخارجية، فالعملية ليست مقصورة على ترويض النفس، وانما تشمل الرغبة الصادقة في احداث تغييرات جذرية، في العلاقة مع الخالق، من خلال التحلي بالمنظومة الأخلاقية، مما يساعد في صلاح الذات، وتقديم الانموذج الصالح على المستوى الاجتماعي، ”اللّهُم ارزقني فيه رحمة الايتام وإطعام الطعام وإفشاء السلام وارزقني فيه صحبة الكرام ومجانبة اللئام بطولك يا أمل الآملين“.

المحفزات الداعمة لتحريك الصائم، لاستقبال الشهر الفضيل بالحفاوة الاستثنائية، تتجلى في المعرفة المسبقة بالكرم الإلهي الواسع، فالصائم يكون في عبادة دائمة وقت الصيام، مما يمثل احدى المحركات الأساسية باتجاه وضع شهر التوبة، في مقدمة الاهتمامات لدى الصائمين، خصوصا وان أبواب السماء مفتحة على الدوام، ”خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وتستغفر له الملائكة حتى يفطر،“، الامر الذي يحدث اثرا كبيرا في خلق البيئة المثالية، لاشاعة الأجواء الروحانية على الصعيد الذاتي، والاطار الاجتماعي، نظرا لانعكاس تلك الأجواء على العلاقات الاجتماعية بشك عام، وبالتالي فان الكرم الإلهي للصائمين، يدفع باتجاه تحفيز النفس على مضاعفة الاعمال، ”اللّهُم اجعل سعيي فيه مشكوراً وذنبي فيه مغفوراً وعملي فيه مقبولاً وعيبي فيه مستوراً يا اسمع السامعين“.

مجموعة البشائر الإلهية في شهر رمضان، تكون حاضرة بقوة في تفكير الصائم، طوال ساعات الصيام، من خلال ترديد الاحاديث الكثيرة التي تصب في أهمية التعاطي مع الشهر الفضيل، بما يستحق من الاهتمام، باعتباره احدى الرحمات الربانية، على عباده في هذه الدنيا، ”ابشر أيها الصائم فإنك في شهر صيامك فيه مفروض ونفسك فيه تسبيح ونومك فيه عبادة وطاعتك فيه مقبولة وذنوبك فيه مغفورة وأصواتك فيه مسموعة ومناجاتك فيه مرحومة“.

كاتب صحفي