آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

قصة قصيرة

وما زالت تبكي

أحلام علي عبد الله

مشاعر وردية مُتدفقة بين محمد وحنين، طالبين يدرسون في الجامعة معًا، يملكان روح الطيف، الحُب الدافئ، كانت دائمًا حنين تقول له أحبُك، ولا أرضى بهذا الحُلم أن يُسرق.

محمد يرد عليها بكل أمل، وانتشاء اللحظة الخضراء في عينيها: سأركب معك البحر، سأكون البحر، والبحار، والزورق، سكون الظّل، الذي لا يُفارق نبضاتُك.

حنين: إياك أحبُك، معك لا الأمواج، تُزهق، ولا القدر يُقلق، ولا الشُّرفة، تُزاحمها شمس حارقة.

كانا يلتقيان يوميًا عند البحر قبل الذهاب للجامعة، خيوط الشمس، تعانق العُشاق ظلًا، الأمواج لحنُها، يُنظم أشعار قلبيهما، شفاه في السماء تُحلق، عيون وهج الشوق، يحجب الزهور، ورمال الشاطئ، كان حُلمًا سماويًا، جُنونًا، مراهقًا، يُريد أن يُشرق.

حكاية قلب، ينبض، كشعلة لا تنطفئ، مع قُبلات الهوى، يعشقُها مع عباءتها البنفسجية، وأصابعه تُداعب خُصُلاتها السُّوداء المُتمايلة، كأنه يعزف أجمل معزوفة على ملمس شفتيها.

لم يكن يرى الشاطئ أو سماءه، كان يُحدق في ضحكتها، وروج الشفاه، وجنتيها الحمراوين، كأن أصابعها لؤلؤ مُتناثرٌ على الرمال.

رواية فصولها لا تنتهي إلا بوقت المُحاضرة، قد حان، فعليهم مغادرة البحر، وفي أغلب الأحيان، تكون المُحاضرة نزهة بحرية، وأخذ الملاحظات من الزملاء تخرجوا معًا من كلية الهندسة، رجع محمد بشهادته، ليريها والده ووالدته، فرحوا كثيرًا، إنه ابنهما البكر، قال له والده أريدك في موضوع يا بُنيَّ.

محمد: تفضل يا أبي.

الوالد: لقد تحدثت إلى عمك، لنخطُب لك ابنته مريم، كنا ننتظر يوم تخرجك، لنفرح بك، وتكون الفرحة فرحتين.

محمد: لا يا أبي..، أريد اختار شريكة حياتي بنفسي، لا أريد الزواج التقليدي.

الوالد مُتشنجًا: ماذا تقول؟!، هذه المرة الأولى، التي تعارض فيها كلامي، كنت نعم الابن البار، إذا عصيت كلامي سوف أغضب عليك للأبد.

محمد نزلت دموعه، ارتعش جسده، كيف يوافق، ولقد أعطى حنين ميثاقًا، وعهدًا، أن يبقى معها للأبد، ويُفاتح والدته بموضوع رغبته بالزواج منها، إلا أن والده سبقه، إنها الصاعقة، التي نزلت على رأسه، جعلته لا يعرف ماذا يفعل، وإلى أين يُولي طرفه، إن قلبه، يحترق، ولن تطفيه مياه جميع البحار، ولا المُحيطات، لعله الآن، يشتهي أن تكون حنين بقربه، تربت على كتفه، وتمسح حبيبات الدمع من وجنتيه.

قالت له والدته لا تخسر والدك يا بُنيَّ، وإن الليلة موعدنا، مع عمك الساعة الثامنة مساءً بعد صلاة العشاء، اذهب وقبل رأس أبيك، وأخبره بأنك موافق، ذهب معهم، وتم تحديد موعد الخطبة بعد أسبوعين، إنه لا يفقه ما يجري، وما هو الواجب عليه القيام به، جسده، يتصرف بما يريده والديه، وقلبه، بعيدًا عن كل هذه التصرفات، ما أتعس أن تكون في موقف، تُمارسه، وقلبك، تُشرحه سكين الأسى والألم إربًا، فلا تعد تشعر إلا به مُتألمًا.

أغمض عينيه، كان يفكر كيف يُخبر حنين بالموضوع، تُهاتفه، وهو لا يستطيع أن يرد عليها، تخنقه عبرته، وتسقط دمعته، ولا يرد على اتصالها، يكتفي بمسج: أنا بخير، وهي تلح عليه عن سبب ابتعاده فجأة.

عندما اقترب موعد الخطبة، أرسل لها بأنه يريد مُقابلتها، ولم تعلم حنين أنها مقابلة الوداع، لقد تزينت وارتدت عباءتها المُفضلة لديه، وصلا الاثنان على الموعد، وبنفس المكان، ولكن قدم محمد لا تقوا على الحركة، اقتربت منه، سألته ما بك، انهمرت دمعة من عينيه، وكم صعبة دموع الرجال، إن سقطت، قال لها: سامحيني يا حنين فقد فرضوا عليَّ أن أتزوج ابنة عمي، التي اعتبرها مثل أختي.

حنين، وروحها ترتعش، كأنها بلغت الحلقوم: وحلمنا، أين وعودك؟ أين رجولتك؟ لماذا لا ترفض؟ محمد: لقد خيروني إما أن أتزوج أو يتبرأوا مني.

لم ترد حنين، بل اكتفت بالصمت، أن تكفكف دموعها، وتطلق العنان إلى خطواتها، تُهرول، لتُودع الذكريات، كأنها، تقتلع ذاتها من ذاتها.

تزوج ابنة عمه مريم، ومرت الأيام، أنجبا سلمان وعدنان، وابنة، كان اسمها حنين!!.

كان محمد أبا رائعا، في إدارة الأسرة، يحب أبناءه ويرعاهم، لكنه زوج ليس رائعًا، كانت تتقرب مريم منه كثيرًا، لتكسب وده، تتزين ببساطة، تُغدق عليه كلمات الغزل، تكتب الشعر لأجله، وهو يكتفي بكلمة أحبك، وابتسامة صفراء، تعرف معناها الأنثى بطبيعتها.

تشتري له الهدايا لتُرضيه، ترتدي له ما يُحب، وتطبخ له ألذ الأصناف من الأطعمة، كانت زوجة مثالية، إلا أنه يُبادلها كل هذا بالحُب والامتنان، وقلبه بعيدًا عنها، هي شعرت بذلك.

تذهب مريم، وتبكي لأختها الكبيرة، تُخبرها أن أبو سلمان لا يُحبها، فهي تشعر بذلك، تُهدأها أختها بأن ما تشعر به وهم، وهذا نتيجة ضغوطاته في العمل، فهو لم يُقصر في أمور المنزل، ورعاية أبنائه، تصبر مريم، وتُغدق عليه من حبها مُجددًا.

كتبت له ورقة مشتريات، أصرت ابنته حنين، التي عمرها سنتين أن تذهب معه للسوق، بينما كان يختار الأغراض، افتقد حنين، فذهب يبحث عنها، ويُنادي: حنين حنين...

أبصر شابة على الجهة اليُمنى، قالت له: نعم، هل هذه ابنتك؟، إنها حنين حبُه الأول، دق قلبه وحن مُجددًا، أحس بارتعاشته، فتح عينيه بعمق، إنها من وجدت حنين ابنته، سألها على استحياء عن أحوالها، فأجابته بأنها تزوجت وتطلقت، طلب منها أن يتواصل معها، في البداية رفضت، لكنه الشوق غلاب.

تواصلا معًا، ومع الأيام، اشتعل الحُب بينهما، اشتعالًا لا سبيل إلى احتوائه سوى الزواج، اتفقا على الزواج في السر، أخبر زوجته بأنه سيُسافر لمدة أسبوع في مهمة كُلف بها من عمله، وكانت هذه أول مرة، يُفارق فيها محمد أسرته.

عاد محمد إلى ظله بعد الغياب، ليقرأ أحرف الشوق، ويُعانقها، فهو لم يُبصر الأشياء سوى طعم الألم بكل أشكاله وألوانه، حنين كانت هي الحنين، الخيالات واللحظات، يقرأ من خلال عينيها، يكتب عبر أبجديتها، وشفتيها، يرتشف قهوته الصباحية على نغم رمشيها، يُداعب نظراتها بين كل النظرات.

حنين تُشاغبه بنبض قلب أتعبه البُعد، وأضناه الاشتياق: على الرغم من الجرح، الذي سببته لي إلا أنك كنت، ولازلت الحُب، واللحظة الأولى، كنت انحناءة الوله، مازلت اختزل في ذاتي صوتك، كزخات المطر، ويدك المُنسابة على رمشيَّ، تُداعبني، لتمنحني الحياة.

ليلة الزفاف، جاءت، وكل شخص يترقب هذه الليلة، إنها حلم بالنسبة لهما، لم يتوقعا أن يجمعهما القدر مرة أخرى.

ذهبت حنين لصالون نسائي، تزينت، وارتدت الفستان الأبيض، مع العقد الفضي، جعلت شعرها، ينساب على كتفها، الباقة كانت بنفسجية لونه المفضل.

كان محمد، ينتظرها في السيارة بفارغ الصبر، وبعد أن جهزت انطلقا إلى شقة الزوجية.

حنين، تمشي خطوات، جهزت الشموع، ونثرت على السرير الورد الأحمر وأعدت طاولة الطعام والكعك، يحتضنها، كقلبها.

تهمس في داخلها، آه، ليلة الحُلم الوردي أخيرًا تحققت، اجتمعا معًا بعد غياب دام أكثر من عشر سنوات.

الآن تعشقه أكثر، تُبصره بعينيها، اشتهاء اللحظة المُنتظر، تبحث عن ملامحه، تنسجُه على حروفها، تُراقصُه برائحة وجهه الضحوك، الذي رجعت له الحياة من جديد.

على أنغام المُوسيقى الهادئة رقصا معًا، تُجاذبه خصرها، وشفتيها، وتبعثرت الكلمات على صدره، كأصابعها، تُدغدغه، يُحدق في سواد عينيها، جمال لحنه القُرمزي، يلمسُها، نغم حروفها صداه، شعرها المُتموج على كتفيها العاريين، وبعض من صدرها، يسبح بين يديه، يخطفُها بين أحضانه، يغرسها في جفنيه قُبلات خفيفة المُنحنى، مهووسًا بها، لم يُصدق، هل هو في حُلم، أم ماذا؟، تشعر به يُلامس اشتياقها بحاجبيه، عيونه بياضها بياض الياسمين، كفستانها، المسك الذي يُعطر جيدها، حنانها مع رشفات عشق الروج الأحمر، يُكلله، فما العشق إلا بريق عينيها، وما السبيل إلا نظرة عشقها، حضنها، الآن، يشعل كيانه، نبضاته تتسارع، وتمتزج مع روحه، فرحته تعبر جسر روحها، ليُترجم غنجها، قاموس مشاعرها.

حنين: أحبُك، وأغمضت عينيها.

رن هاتفه، كان والده يُريده أن يرجع، فقد استخبر بزواجه، أمره مُجددًا أن يرجع إلى أسرته، ويُطلق حنين فورًا.

تجمدت أنفاسه، نزل مسرعًا إلى السيارة، لا يعلم ماذا يفعل؟، إنه يترك حبيبته وعشقه، لتكون ضحية مرة أخرى.

تٌحدق حنينن في خطواته، لازالت على فراشها، تستكشف مفاتنها في غصة، وألم..، إنها تبكي...