آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 2:48 ص

تأملات رمضانية 29

محمد أحمد التاروتي *

الواعظ الذاتي عنصر أساسي في الاختيار الصائب، بمختلف الاختبارات الحياتية، ”من لم يجعل الله له من نفسه واعظا، فإن مواعظ الناس لن تغني عنه شيئا.“، فالمرء الذي يرخي العنان لاهوائه وشهواته، يفقد السيطرة على الذات، ويسكت النفس اللوامة، ويسير خلف النفس الامارة بالسوء، الامر الذي ينعكس على مستقبله الاخروي، وبالتالي الخروج من الامتحان الدنيوي بخفي حنين، خصوصا وان مصير الانسان في الاخرة، مرهون بتحصيل درجات النجاح في الدنيا، ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ.

معرفة الانسان لحقيقة الدنيا وكونها محطة قصيرة، قبل الانتقال الى الدار الأبدية، يحركه باتجاه وضع الأمور في المسار السليم، من خلال العمل على تحديد الخيارات الصائبة، وعدم الانجرار وراء المسالك المعوجة، وغير القادرة على الوصول الى الهدف، خصوصا وان الانسان العاقل يبحث عن السعادة الاخروية، من خلال الاعمال الصالحة، باعتبارها الوسيلة للوصول الى رضون الله تعالى، الامر الذي يتجلى في الانخراط في المبادرات الاجتماعية، ذات الأثر الكبير على إشاعة عمل البر في الوسط الاجتماعي، بالإضافة الى التحرك الصادق باتجاه تفعيل الواعظ الذاتي، عبر الابتعاد عن الطرق الشريرة، واختيار المسالك الصالحة، لاسيما وان الحسرة التي تتركها الاعمال السيئة في النفس، تبقى حرارة مشتعلة فترة طويلة، نظرا لقدرة النفس اللوامة على احداث الندم المستمر في الذات، الامر الذي يحفز الانسان على المبادرة لاعمال الخير، واجتناب الاعمال السيئة، سواء كانت على الاطار الشخصي، او الجانب الاجتماعي.

شهر رمضان احدى المحركات الأساسية، باتجاه تحريك الواعظ الذاتي، وتقوية عنصر المحاسبة النفسية، خصوصا وان الصائم يجد نفسه في صراع قوي بين الخشية من الله، والاستجابة للرغبات الشيطانية الكثيرة، فاذا استطاع التغلب على تلك الاهواء الشهوانية، فانه يسجل نقطة باتجاه تقوية المراقبة الذاتية أولا، والشعور بالارتياح النفسي ثانيا، لاسيما وان الانتصار على الذات الامارة بالسوء ليس سهلا، كون الصراع مع الذات معركة دائمة، وليست مرهونة بحقبة زمنية محددة، الامر الذي يستدعي الاستعداد النفسي لاعلان حالة الطوارئ القصوى، نظرا لاستمرار الحرب الضروس مع الذات الامارة بالسوء، بمعنى اخر، فان الصمود لساعات طويلة دون اكل وشرب، وعدم الاستجابة للرغبات الدنيوية بشتى اشكالها، عنصر أساسي في امتلاك زمام المبادرة للانتصار، في احدى الجولات الأساسية في الصراع القائم، بين النفس اللوامة والنفس الامارة بالسوء.

القدرة على الاحتفاظ بالروح القوية، المكتسبة خلال شهر رمضان، فيما يتعلق بمقاومة المغريات، والاغراءات الشيطانية، عملية أساسية لمواصلة مشوار النجاح في الحياة، فالصوم يمثل محطة دنيوية واحدة، ضمن محطات عديدة يعيشها الانسان طوال عمره، وبالتالي فان خطر السقوط في الامتحانات الدنيوية امر قائم على الدوام، بيد ان القدرة على الصمود يمثل السلاح الأمثل لمواجهة تلك التحديات على اختلافها، لاسيما وان محطة الصيام طوال الشهر الكريم يعطي المسلم القدرة على الصمود، والوقوف في وجه تلك الاغراءات الدنيوية، لاسيما وان الرغبة في أداء فريضة الصيام على الوجه المطلوب، احدى المحركات الأساسية لتفعيل الواعظ الذاتي، في مواجهة المغريات الدنيوية، الامر الذي يتمثل في الامتناع عن السير وراء تلك الاهواء الشيطانية، والوقوف بحزم امام تلك الاغراءات على اختلافها، نظرا للتوفيق الإلهي للإنسان في إعطائه القوة، في مقاومة تلك الرغبات الشهوانية ”هو شهر الشياطين فيه مغلولة محبوسة هو شهر يزيد الله فيه الأرزاق والآجال“، مما يساعد الصائم على تفعيل الواعظ الذاتي، في الوقوف امام الاهواء الشيطانية، الامر الذي يتمثل في تسجيل النقاط في مشوار التقرب الى الله، والفوز بالجنان، وبالتالي فان المحطة الرمضانية احدى الركائز الأساسية، في تزويد الانسان بالطاقة المعنوية، والروحية لمواجهة الاختبارات الحياتية، نظرا لصعوبة معركة الصراع، بين النفس اللوامة والنفس الامارة بالسوء، ﴿وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى.

”أيها الصائم تدبر أمرك فإنك في شهرك هذا ضيف ربك انظر كيف تكون في ليلك ونهارك وكيف تحفظ جوارحك عن معاصي ربك، انظر أن لا تكون بالليل نائما وبالنهار غافلا فينقضي شهرك وقد بقي عليك وزرك فتكون عند استيفاء الصائمين أجورهم من الخاسرين وعند فوزهم بكرامة مليكهم من المحرومين وعند سعادتهم بمجاورة ربهم من المطرودين“

كاتب صحفي