آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 10:36 م

سلامة القلب وغنيمة الآخرة

سوزان آل حمود *

أحبتي في زمن ظهر فيه حُبُّ الحياة الدنيا والتعلق بها، بمختلف الصور والأشكال، يحتاج المسلم في هذا الوقت إلى التذكير بما يبعثه على محبة الآخرين، وبذل الخير والإحسان والمعروف لهم، وكفّ الشر والأذى عنهم، إنه خُلُق: سلامة الصدر وصفاء القلب وطهارته، الذي يعيش به المسلم سعيداً مرضياً مسروراً مطمئناً.. ومعنى سلامة القلب: أن يكون القلب مليئاً بنور الإيمان مؤمناً بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وبالقضاء خيره وشره، أن يكون مليئاً بالإخلاص، والتوكل، والمراقبة واليقين، ومحباً لله ورسوله والمؤمنين، وأن يكون القلب سليماً خالياً من الكفر، والشرك، والريبة، والنفاق والرياء، والكبر والعظمة والعجب والخيلاء، والكذب والبهتان وكل ما ينقص الإيمان..

سلامة القلب من أنبل الخصال وأشرف الخلال، التي يدرك بها المسلمُ عظيمَ الأجر، وعندما تكون نقيًا من الداخل، يمنحك الله نورًا من حيث لا تعلم، يحبك الناس دون سبب، وتأتيك مطالبك دون أن تنطق بها.. صاحب النية الطيبة هو من يتمنى الخير للجميع دون استثناء؛ فسعادة الآخرين لن تأخذ من سعادتك، وغِناهم لن ينقص من رزقك، وصحتهم لن تسلبك عافيتك، واجتماعاتهم بأحبتهم لن تفقدك أحبابك.. دائمًا كن الشخص الذي يمتلك النية الطيبة.. اللهم إنا نسألك سلامة القلب..

إننا نرى اليوم للأسف الشديد في بعض المجتمعات الإسلامية جرائم بشعة تنفطر لها القلوب، وتشيب من فظاعتها الرؤوس حيث تمزق الجثث، وتقطع الأعضاء، وتفرق الأوصال، وتنتهك الأعراض بوحشية، وتسلب الأموال عنوة.

فهذا يهتك عرض بنات الناس، وذاك يسرق جيرانه وأخرى تضرب بوحشية صديقتها ظنا منها أنها على علاقة مع زوجها وآخر يخنق صديقه لأنه شك فيه وأمور أخرى وووووو.......

هذه نماذج لتصرفات أصحاب القلوب السوداء غير النقية المملوءة حقداً وحسداً، وكل تلك الجرائم كان الحقد غالباً هو الدافع الأول لارتكابها، وكان فساد القلب وسواده وعدم سلامته هو محرك اقترافها.

سلامة القلب خصلة من خصال البر غابت رسومها، واندثرت معالمها، حتى غدت اليوم عزيزة المنال، عسيرة الحصول، خاصة مع تسارُع إيقاع الحياة وشدَّة تنافس الناس في أمور الدنيا، حتى تكدرت المعايش وساءت العلاقات بين الناس في المجتمع.

وعلى كل مسلم أساء إلى أخيه المسلم أن يبادر إليه بالاعتذار والتحلل من الإساءة قبل فوات الأوان، وعليه ألا يؤخر ذلك حتى لا تستفحل الخصومة، ويتعمق الخلاف ويترسب الحقد في القلوب.

وأحب أن الفت النظر إلى أمر مهم وهو أن انتفاضة القلب، وتغيره وبغضه إذا كان من أجل الحق، وكان لله فإن ذلك أمر محمود لا غبار عليه، فمثلاً إذا رأى المسلم شخصاً أو علم أنه يجاهر بالمعصية، ويتعدى حدود الله، ويناصب شرع الله العداء فإنه يجب على المسلم الصادق حينئذ أن يقاطع في الله هذا الشخص الفاسق، بل يجب عليه أن يبغضه في الله، وان يعلن عداءه وعدم رضاه عن أفعاله، حتى ولو كان من أقرب الناس إليه، قال تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون «التوبة: 23».

فالإنسان خلق من عنصرين اثنين: قبضة من الطين، ونفخة من الروح، فإذا ركن الإنسان إلى أصل مادته وهي الطين فإنها تجذبه وتشده إلى أسفل، فتتدنى أخلاقه وتسوء، ويصدر منه ما لا يليق، وما يخجل العاقل منه إذا تبصره وتذكره، وإذا كسر الإنسان هذه الآصار والقيود والأغلال حلق عالياً، وارتفع وتسامى بأخلاقه فتجاوز نفسه، وجعلها خلف ظهره، فلم يعد ذلك الإنسان الذي ترضيه الكلمة، وتسخطه الكلمة يتجاوز هذه المرحلة ثم بعد ذلك يتعامل مع الآخرين بصدر واسع، وبنفس كبيرة، فيتحمل منهم الصدمات والكدمات والأخطاء والعيوب؛ ويتحمل منهم كل ما صدر تجاهه من تقصير فيحقه الخاص، ولا يصلح لمن أراد أن يحصل المراتب العالية إلا هذه الأخلاق، وهذا الأمر حينما نتحدث عنه لا نوجه الحديث إلى قوم آخرين إنما أوجه الحديث إلى نفسي أولاً، وأوجهه إليكم ثانياً، فلا يظنن أحد أن الخطاب بهذا الموضوع يراد به غيره، بل أحضر قلبك، وفكِّر في حالك، وكن ممن يسمع لينتفع وليغيِّر، فجدد حياتك، ونقِّ أخلاقك، وقوِّم سلوكك، وارجع إلى أهلك من هذه اللحظة بوجه جديد وارجع إلى أصحابك وقومك بوجه جديد وبنفس أخرى تتجاوز هذه الحظوظ الشخصية النفسانية التي تجعلك صغيراً لتحضى بسلامة قلبك وراحة ضميرك لتسعد في الدنيا والآخرة.

أخيرا لا قيمه لآراء الناس... مادامت أفعالك تمنحك ضميراً مريحاً... لا تكن حارساً لكل شيء، هناك أشياء دعها تذهب...

وهناك أشياء دعها تختفي، وهناك أشياء دعها تنتهي... واستمتع أنت بحياتك وبتغير الأحوال...

من فينا كامل؟ الكمال لله وحده لكن الجميل أن نقف ونحاسب أنفسنا وقتها فقط نعرف مالنا وما علينا أين أخطأنا وأين عثرت خطواتنا والأجمل أن من خلقنا يعلم عيوبنا فيسترها ويقول لنا الجنة بابها مفتوح لن يقفل والذنوب يمكن أن تمحى..

فقط قف وراجع نفسك ولا تصر على الزلات وقتها فقط ستصل إلى باب الجنة، وأسأل الله الرحيم أن يرزقنا وإياكم القلب السليم ويرزقنا سلامة الصدر ونقاء السريرة.