آخر تحديث: 24 / 4 / 2024م - 11:56 م

هل التأقلم مع الجماعة ميل فطري؟

الدكتور أحمد فتح الله *

ما الذي يجعل الأطفال في سن ما قبل المدرسة يأكلون الخضار؟ يرفعون أيديهم؟ ينتظرون دورهم؟ الجواب الحاضر عند الوالدين هو: ”لأنني أقول ذلك“ «because I say so» هي لازمة شائعة عندهم. ولكن تشير الأبحاث الحديثة إلى أن الميل للتوافق مع ”الجماعة“ عامل مهم في تصرف الأطفال، وليس فقط سلطة البالغين. يبدأ التوافق مع المجموعة في سن الثالثة تقريبًا.

هذا ما توصلت له دراسة جديدة أجراها باحثو جامعة ديوك «Duke University» أنه بحلول عيد ميلادهم الثالث، من المرجح أن يتماشى الأطفال مع ما يقوله أو يفعله الآخرون من أجل متابعة المجموعة، بدلاً من التصرف بدافع الرغبة في الانصياع للسلطة أو مراعاة ما يفضلونه هم ذاتيًّا.

يقول مؤلف الدراسة  الأول ”ليون لي“ «Leon Li»، وهو طالب الدكتوراة في علم النفس وعلم الأعصاب في جامعة ديوك: ”لكل ثقافة ما يجب فعله وما لا يجب فعله“. لم نولد ونحن نعرف ماذا نقول عندما يعطس شخص ما، أو الوقت الصحيح أو الخطأ لارتداء قبعة، أو يجب أن نأكل بالشوكة وليس بأيدينا. لكن معظمنا يبدأ في التعرف على هذه القواعد الاجتماعية غير المكتوبة عندما نكون صغارًا، ونكتشف بسرعة متى وكيف نتبعها.

يقول ”ليون“ إن السؤال هو ما الذي يجعل الأطفال الصغار ”يتصرفون“؟ ما الذي يدفع الطفل البالغ من العمر 3 سنوات إلى استخدام صوته الهادئ بدل الصراخ؟ ما الذي يحدث حقًا عندما يغطي الشخص فمه عند السعال ويتبعه طفل آخر، على عكس عادة الأطفال؟

ربما لا يحاول الأطفال في هذا العمر حقًا التوافق مع الطريقة المقبولة لفعل الأشياء، كما اقترح البعض، يقول ”ليون“، بقدر ما يحاولون إظهار الاحترام للكبار من خلال فعل ما يأمرون، يمكن أن يكون سلوكهم متجذرًا في الرغبة في الشعور بالارتباط بهذا الشخص.

لفهم ما الذي يحفز الأطفال في سن ما قبل المدرسة على السلوك بشكل أفضل، أجرى الباحثون دراسة في مختبر البروفيسور مايكل توماسيلو «Michael Tomasello» في جامعة ديوك، حيث دعا ”ليون لي“ و”باري بريتفان“ «Bari Britvan» أطفالًا في سن 3,5 عامًا للمساعدة في التحضير لحفلة شاي. تم إعطاء كل طفل من الأطفال البالغ عددهم 104 ملصقًا أزرق لارتدائه في بداية الدراسة، وأخبروا أن الأشخاص الذين يحملون هذا الملصق الملون كانوا جزءً من نفس الفريق.

بعد ذلك راقب الباحثون الأطفال وهم يقررون من بين أنواع مختلفة من الشاي والوجبات الخفيفة والأكواب والأطباق لحفل الشاي، أولاً بمفردهم ثم بعد الاستماع إلى اختيارات أعضاء الفريق الآخرين. في بعض الأحيان، صاغ عضو الفريق الآخر اختياره على أنه مسألة تفضيل شخصي. ”بالنسبة لحفلة الشاي اليوم، أشعر برغبة في استخدام هذه الوجبة الخفيفة.“ وفي أحيان أخرى قدموها كقاعدة مشتركة بين المجموعة بأكملها: ”بالنسبة لحفلات الشاي في ديوك، نستخدم دائمًا هذا النوع من الوجبات الخفيفة“.

بعد ذلك راقب الباحثون الأطفال وهم يقررون من بين أنواع مختلفة من الشاي والوجبات الخفيفة والأكواب والأطباق لحفل الشاي، أولًا بمفردهم ثم بعد الاستماع إلى اختيارات أعضاء الفريق الآخرين. بعد الاستماع إلى اختيارات الآخرين، تمسك الأطفال في معظم الأحيان بخيارهم الأول. بعبارة أخرى، الأطفال الذين قالوا في البداية إنهم شعروا برغبة في استخدام ”الدونات“ «donuts»، على سبيل المثال، انتهى بهم الأمر في النهاية بأخذ الدونات بغض النظر عما قاله الأشخاص الآخرون.

ولكن غيَّر الأطفال اختيارهم 23٪ من الوقت مراعاة لشخص آخر، أي أنهم كانوا أكثر ميلًا للتوافق مع الشخص الآخر عندما تم تقديم خيار ما ”كمسلك جماعي“ «group norm» بدلًا من مجرد ”تفضيل شخصي“ «personal preference». استمر هذا النمط حتى عندما كان الشخص الآخر طفلًا آخر، وليس بالغًا، مما يشير إلى أن الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة لم يتصرفوا ببساطة بدافع الرغبة في تقليد البالغين أو إطاعة السلطة.

يقول ”ليون“ إن النتائج تدعم فكرة اقترحها البروفيسور توماسيلو وزملاؤه حول كيفية تطوير الأطفال لقدرة التفكير الأخلاقي التي تميز البشر عن الحيوانات الأخرى. عندما يقول شخص بالغ لطفل صغير، ”نحن لا نضرب“، فإن الطفل يفعل عمومًا ما يُقال له احترامًا لذلك الشخص. لكن في النهاية، بحلول عيد ميلادهم الثالث تقريبًا، يبدأ الأطفال في التفكير بطريقة مختلفة: يبدأون في فهم إشارات مثل ”نحن لا نضرب“ كشيء أكبر، قادم من الجماعة، ويتصرفون من منطلق الشعور بالترابط والهوية المشتركة.

في الختام، تشير نتائج هذه الدراسة إلى أن الأطفال لديهم الدافع للعمل بشكل جماعي، ربما كتكيف للعيش في مجموعات ثقافية، وابتداءً من سن الثالثة يتماشى الأطفال مع ما يقوله أقرانهم من أجل الوئام والانسجام مع المجموعة، بدلًا من التصرف من منطلق الرغبة في اتباع الرغبات الشخصية «الأنانية» أو الخضوع لسلطة ورغبات الكبار.


المصدر:

“Young children conform more to norms than to preferences”by Leon Li، Bari Britvan، Michael Tomasello «2021»

وعلى الرابط التالي:

https://neurosciencenews.com/group-kids-fit-in-18525/
تاروت - القطيف