آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 6:17 م

عباس الشماسي الشخصية الرسالية

فؤاد الحمود *

شخصية فرضت نفسها في بيئات مختلفة، فجعلت منها رمزاً رسالياً بمعنى الكلمة، فتحرك على جميع الأصعدة الرسمية وغير الرسمية بوضع بصمات بارزة له

كيف لشخصية فريدة احتوائها أو تبجيلها خلال مقال أو عدة مقالات، بل هي دعوة لأخصائيي العلوم الإنسانية والاجتماعية أن يعد لهذه الشخصية رسالة ماجستير أو دكتوراه، وما هذه الأسطر إلا مقدمة ومناشدة للمختصين.

أبا فاضل تعددت عطاياك وآن لمجتمعك أن يقف لك وقفة وفاء وعرفان لما قدمته من خلال سيرتك العطرة.

ولعلي أوفق في هذه الأسطر لبيان بعض موائزك وصفاتك التي تحليت بها، وكم أنا محظوظ أن وفقني الله أن شاطرتك بعض المهام خلال الفترات الزمنية التي عشتها معك في بعض المجالات الاجتماعية، لأتعلم منك الكثير.

لذلك لن أتوانى أن أَسِمَك بالشخصية الرسالية؛ فلا غرو ولا غرابة في ذلك فأنت بفطرتك السليمة وتربيتك داخل الأسرة المحافظة والبيئة التي عشت فيها إضافة للثقافة التي وعيتها أكسبتك تلك المنقبة العظيمة.

ومن المعلوم أن الشخصية الرسالية لها مصادر وعناصر فكرية أستعرضها على عجالة مع ربطها ببعض النماذج من سيرته العطرة التي يجب أن يحتذى بها ويستفاد منها.

إيمانك بالله تعالى وبدينه الحنيف ولجوؤك له جعل منك شخصية تنظر للدنيا بحقيقتها، لذا قد حملت الرسالة وتشربت فيك حتى أصبحت تنظر للمناصب على أنها قنطرة لإيصال نفعك للناس من خلال فكرك النيِّر، فعلى مستوى الوظيفة ها هي مدينة الجبيل الصناعية شاهدة على ما قدمته لها من مشاريع مختلفة المراحل فمن التصميم والإنشاء وكذا الإشراف وفي نفس الوقت كنت تتابع عن كثب وتسعى لتطوير القطيف عبر دخولك جملة من المشاريع الفاعلة، فبصمات النقلة النوعية في الجمعية الخيرية مع رفاق دربك والزواج الجماعي واللجنة الأهلية وحملة الحج كلها شواهد على إيمانك.

أما الثبات على تحقيق الأهداف فحدث ولا حرج، فيما قمت به من مشاريع من غير عصبية فئوية، بل كنت تضفي ابتسامتك وحنانك على من يشاطرك العمل سعياً منك لتحقيق الأهداف المرجوة بالشكل الذي يتناسب مع تطلعاتك ورؤاك، لذا كان التطور سمة بارزة في حياتك.

ولعل أبرز مصادر الشخصية الرسالية هي الصبر والنفس الطويل، وهي ميزة بارزة في حياتك العملية على الصعيدين الرسمي والاجتماعي من أجل المجتمع، فلم تكن يوماً في راحة رغم أن الكثير من أقرانك المهندسين مالوا للدعة والراحة، لأن النفس الطويل والصبر غير متحقق لديهم؛ فما تبرح أن تنتهي من دورة في عمل اجتماعي لتقدمه كأنموذج ناجح حتى تشارك في آخر، فتأخذ بيده وترقيه، وتعيد له مكانته ورونقه، ولو أعطي نفسي المجال لأسهبت وفصلت أكثر لكنه مقال فحسب فرمت الاختصار.

وأما التحرك بروح المحبة والرحمة في المجتمع، فهذا ديدن أبي فاضل؛ فمن يعمل مع المرحوم السعيد يجده سيلاً من المحبة، فابتسامته التي لا تفارق محيَّاه، وتشجيعه الدائم للعاملين معه في فرق العمل كلها شواهد على ذلك، ورغم أن طبيعة الأعمال الاجتماعية فيها الكثير من الاختلافات في الرؤى والتصورات، ولكنك تجده شخصية غير تصادمية، بل ارقى، حيث يحتوي من يخالفه فضلاً عمن يتماشى معه.

كما أن من السمات المهمة للشخصية الرسالية التواضع والاستماع للآخرين، فمن له أدنى معرفة بالمرحوم السعيد وعاشره سيجد أنه ترابي لا يتعالى رغم منصبه ومكانته الوظيفية والاجتماعية وسعة ثقافته.

وأخيراً الإخلاص الذي كان يتمتع به، وهي صفة بارزة في حياته على جميع الأصعدة مما جعله محط الأنظار في الاستشارات لدى كثير من فرق العمل في المنطقة، وما ديوانيته التي يشرع أبوابها في كل ظرف عصيب تمر به المنطقة لمناقشة الحلول واستشراف المستقبل وهمه على الوطن إلا شاهد واضح على إخلاصه وتفانيه.

وختاماً أعرض أكثر ما تميز به المرحوم السعيد الحاج عباس الشماسي لتجعل منه شخصية رسالية بامتياز، وهما عنصرا التخطيط والعطاء، وقد برزا بكل جلاء في حياته المليئة بالعطاء والبذل.

لذا أدعو أبناء المجتمع القطيفي على نحو الخصوص والمجتمع السعودي أن يقدموا دراسة عن تجربته الرائدة في العمل الاجتماعي، ومن باب الوفاء كما أقترح البعض أن تسمى قاعة في الجمعية الخيرية باسمه، وكذا يقوم المجلس البلدي بما يخلد ويحفظ اسمه كرمز وطني خدم وطنه.

فرحمك الله يا أبا فاضل كنت مربياً في حياتك وحين رحلت عن هذه الدنيا مسرعاً للنعيم الذي أعده الله لك ولأمثالك باذلي العطاء، ورغم قناعتنا جميعاً أنك قدمت لحياتك الحقيقية إلا أن الفراق مرُّ المذاق، وخسارتنا كبيرة، فما زلنا نتعطش لنميرك، وعزاؤنا أن هذه الدنيا مآلها الزوال.

فإنا لله وإنا إليه راجعون.