آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

زيارة السيدة المعصومة وآثارها


ورد عن الإمام الرضا : نعم، من زارها «أي السيدة المعصومة» عارفا بحقها فله الجنة» «بحار الأنوار ج 48 ص 318».

يعرفنا الإمام الرضا بأحد الأعمال الصالحة المهمة وما يترتب عليها من أثر كبير وهو دخول الجنة ونيل نعيمها، وقد يتبادر إلى ذهن البعض بأن هذا العمل من جهة قلة الجهد والعناء المترتب عليه يعد من المغالاة توقع هذه النتيجة منه وهي دخول الجنة، وخصوصا أن هذا العمل وهو الزيارة لا يعد من أمهات العبادات ولا يرقى لمستوى الحكم التكليفي وهو الوجوب، فكيف يمكن تقبل هذا الأثر عليه وخصوصا إن كان هناك تقصير في جانب العبادات والمعاملات وتلوث النفس بالذنوب؟

في البداية لابد أن نتعامل مع ترتب الثواب على الأعمال من منطلق قرآني لا يقايس بين مستوى العمل والجزاء، إذ أنه سبحانه وتعالى أكرم الأكرمين ويضاعف في الثواب لمن يشاء ويغفر عظائم الذنوب لمن يشاء من عباده العاصين، وفي الروايات الواردة عند الفريقين ما يشير لثواب الجنة على بعض الأذكار كالتسبيحات الأربع.

والناحية الثانية هي الالتفات إلى معنى الزيارة الحقيقية وشروطها وآدابها، فالبعض يتصور أن زيارة المعصومة هي مجرد الحضور البدني لذلك المكان الطاهر وقراءة عبارات الزيارة مع غياب القلب ومعاني تلك الكلمات، وهذا وهم إذ أن الزيارة الشريفة طريق إلى تكامل النفس ورقيها في عالم الفضيلة والسمو الروحي والأخلاقي، فالعبادات كالصلاة مثلا يرجى منها تكون وتبلور صفة الحصانة والمنعة من فعل الفحشاء والمنكر، والصوم مدرسة يتحصل منها صفة التقوى والخشية من الله تعالى ورقابة الجوارح من مقارفة المعصية، وهذا ما ينسحب على بقية الفرائض والتشريعات الإسلامية التي تعود بفائدتها على تكوين شخصية الإنسان وتكاملها من جميع النواحي، وهذا ما يتطلب الالتفات لتلك الشرائط المتعلقة بالعمل حتى يجني منه صاحبه ما يترتب عليه من آثار.

والإمام الرضا في هذه الرواية يشير لأهم شرائط زيارة السيدة فاطمة المعصومة وهو المعرفة بحقها، وهذه المعرفة بها لها تأثير كبير على فكر وسلوك الإنسان وبدونه يتيه في ظلمات الشبهات والانحرافات الفكرية والسلوكية، فمعرفتها تعني معرفة عقائدية بامتداد الخط الرسالي للهدى والحق الذي سار عليه الأنبياء والأئمة والمعصومين فهم خلفاء الله تعالى وحججه على عباده يستنير المرء بهديهم وسيرهم الغراء ويقتدي بهم في كل تصرفاته، وهذا معنى آخر لنزاهة النفس وتطهيرها من كل دنس يتعلق بالأقوال والأفعال، والعمل الحثيث على تحصيل الكمالات والأخلاقيات التي كان عليها هؤلاء العظماء ، والمعرفة المتحققة بالسيدة المعصومة تتعلق بإدراك ما كانت عليه من كمالات معرفية وأخلاقية أوصلتها إلى هذه المرتبة العالية، فقد كانت نتاج تربية تلقتها من أبيها الكاظم وأخيها الرضا والتي صقلت ورسخت في شخصيتها المباركة تلك المعارف النيرة لعلوم أهل البيت وسيرتهم الغراء، وما توجيه الإمام الرضا لزيارتها الشريفة إلا لبيان كونها جزءا من تلك المنظومة النورانية لأهل البيت الذين هم أهل للاقتداء والتأسي بهم، فأبواب المعرفة والسلوك إلى الله تعالى متعددة ومنها السيدة المعصومة، وما زيارتها إلا استرشاد بهدي النبي ﷺ وأهل بيته الطاهرين فهم كالشمس المشرقة ترسل أشعتها النورانية لتهب القلوب هديها وتوجيهها نحو توحيد الله تعالى والالتزام بأحكام الشريعة الغراء والقيم السامية التي تدعو لها، ولهذا يتضح معنى الزيارة المنوط بها جزاء الجنة ونعيمها، فالزيارة الشريفة خريطة طريق نحو التمسك بنهجهم والسير بسيرتهم، فيتأمل الزائر في سيرة المعصومة وما كانت عليه من معرفة وعبادة وزهد وتقوى وحسن خلق؛ ليترسم منهجها كقيم وخطوات وسلوكيات يلتزم بها.

فزيارة السيدة المعصومة صناعة وصياغة لشخصية الإنسان في فكره وسلوكه وفق نهج الأولياء الصالحين، وبذلك يتبين أن الزيارة جزء من نسق العمل الصالح والتدين لا التهاون والتقصير بالواجبات.