آخر تحديث: 24 / 4 / 2024م - 11:56 م

ترويض الصورة في ليلة سقوط أريكسن

أثير السادة *

كان مشهداً حزيناً ليلة البارحة حين سقط لاعب المنتخب الدنماركي كريسيتان أريكسن في أرضية الملعب خلال مباراته مع فريق فلندا ضمن بطولة أمم أوروبا، سقط في مكانه وترك الهلع معلقاً في كل زاوية من زوايا الملعب، وخلف الشاشة التي يتسمر عندها الناس بحثا عن لحظات المتعة لا لحظات الموت، توقف قلب الرجل فتوقفت المباراة، قبل أن ينجح الفريق الطبي في إنعاشه وحمله للمشفى.

كان لافتاً في هذه اللحظة انشغال لاعبي الدنمارك بصنع طوق جماعي يحول دون وصول أعين الناس ومعها الكاميرات إلى مشهد الانعاش، اتخذوا قرارهم بسرعة وراحوا يرسمون بفعلهم حدودا للخصوصية من جهة، وحدودا لعلاقة الصورة بالألم من جهة أخرى، الفضول الذي لم يعد يكترث كثيراً لأخلاقيات الصورة جرى ترويضه في تلك الأمسية، ليقدموا صورة التضامن عوضاً عن صورة الألم، صورة الحياة بدلا من صورة الموت، كان يمكن لصورة كتلك أن تتحول إلى صورة أيقونية في دفاتر الرياضة، وأن تسكن في ثوانٍ في كل هواتف الناس عبر الكرة الأرضية، غير أن الذين اعتادوا أضواء الكاميرات ويعرفون أثرها الواسع أرادوا تخليص الصورة من آثامها، وهي تحيل لحظات السقوط إلى ديمومة لا يطويها النسيان.

من شرفة التعب والمرض والموت تنطلق اليوم الكثير من الصور التي يتداولها الناس بكثير من الخفة، بعد أن أصابنا هوس التصوير، أجساد يتضاعف ألمها لأنها لم تعد تملك خياراً أمام شهوة النظر التي لا تنام، يستر الواحد منهم أنينه وتفضحه الصور التي تتسلل له خلسة، ينام وهو يحلم بالقوة والعافية فلا يصحو إلا على صور مرفوعة على المواقع كأنها البشارة بانقضاء الأمل!.

لا شيء يتضاعف في عالم النت كما يتضاعف الفضول الذي يتغذى بالصورة اليوم، الأمر الذي أحال النظر إلى صور الألم مادة للمتعة، وكأنها تهبنا التطهر من مخاوفنا، فنحن نصبح أفضل حين نقارن أنفسنا بالآخرين الذين يألمون أو يموتون ويتحولون إلى إعلان بلا قيمة في تطبيقات التواصل.. لا أحد يريد أن يمتحن الصورة ساعة يراها، بل سيعمد إلى إرسالها كعنوان محبة وتقدير لآخر، يذكره بأنه حاضر في باله، حتى في عناوين الحزن، تعبر من جهاز لآخر كالهواء، وفي أحسن الأحوال قد تلحقها عبارة تخرجها من سياقها!.

انتهت المباراة، ولم ينتهي الدرس الذي قدمه اللاعبون، نجح الفريق في إنقاذ لاعبه، ولا نعلم إن كان بإمكاننا أن ننجح في درس الصورة، أن نترك فاصلة للتفكير قبل التقاط صورة لمريض، أو مصاب، أو ميت، أن نمارس عملية الإنعاش للأسئلة الأخلاقية التي تحوط الصورة، لكي لا نجعل صور الألم مأدبة مفتوحة تضاعف أوجاع الناس، وتترك ندبة لا تنسى في واقعهم، فكما أن هنالك جملة خاطئة، هنالك أيضا صورة خاطئة، وعلينا أن نصوبها، وأن نمحوها في بعض الأحيان.