آخر تحديث: 29 / 4 / 2024م - 5:05 م

”زايريات“... يمضون ونمضي

يسرى الزاير

يمضون ونستمر بعبور محطات الحياة لحين نمضي.

نمضي وتبقى سيرتنا لأجيال نابضة، تمتد ذكرانا لزمن يطول أم يقصر.

لسوف تأتي لحظة يخطفنا فيها الموت من الحياة ولن يبقى منا سوى سيرة وصور.

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ - 18 النساء

﴿أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ - 78 النساء

﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً - 35 الأنبياء

﴿حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ - 99 المؤمنون

﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ - 57 العنكبوت

﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ - 11 السجدة

صدق الله العلي العظيم.

لا أحد من الناس لا يدرك بأنه ميتاً لا محالة، وان الموت أسرع من رمشة عين.

الموت لا يمهل ولا يستأذن.

ويكفي المرء أن يتخيل نفسه تحت التراب وبقليل من الوقت يصبح نسياً منسيا إلا من ذكرى يصنعها بنفسه قبل المنية.

أما عندما يخطف الموت منا أحبة، هنا يتلبسن الحزن لفراقهم ولذلك الفراغ النفسي لفقدهم، لتلك المشاعر الجياشة التي اعتدنا أن نبقي أرقها واصدقها حبيسة صدورنا لا يظهر منها أكثر من بسمات ودودة ترسمها شفاهنا وأحاديث شيقة جلها أنس وابتهاج.

الكل يموت ولكن ليس الكل يترك خلفه نفس الأثر، فبعضهم حين يموت يصبح حياً أكثر، موجوداً بإلحاح بذاكرتنا وفي تفاصيل أحاديثنا.

الموت حالة غريبة إذ به من المفارقات أعجبها، فحين يموت ابن آدم تولد بين الخلق سيرته. سيرته التي تمثل حقيقته المطلقة بنظر الناس، الغرباء منهم قبل الأقرباء.

حقيقة الشخص هي امتداده الفعلي وهي وزنه وثقله الإنساني، ليس كما هو متعارف عليه اجتماعياً بأن النسل هو الامتداد إذ واقعاً لا يمثل نسل الشخص من بعده غير امتداد اسمي لفظي ليس إلا.

ها أنا عبر هذه المقالة البسيطة أبوح بكلمات هي الوسيلة الوحيدة للرثاء.

أرثي زايريات غاليات استعجلن الرحيل لاحقات بعضهن ببعض وكأنهن على موعداً في الغياب.

منذ أيام غيب الموت على عجل عمتي الغالية خديجة رضي محمد جواد الزاير، وقبلها بخمس وأربعين يوماً تقريباً خالتي الغالية شكرية أحمد محمد جواد الزاير.

كان وسيبقى موتهما مؤلماً ومحزناً للغاية. لقد تركتا فراغاً كبيراً ليس في المكان فقط بل حتى في الروح.

شكرية وخديجة لقد جمعهما غير الدم صفات عدة، منها الحنان، الطيبة، المرح، الأخلاق الرفيعة دوماً حتى مع قسوة الحياةواحلكها، سيدات لا مكان للعبوس لديهما مهما بلغت الضغوط من باب ليس للناس ذنب بما نعاني.

إنها ثقافة احترام الآخر وقبلها احترام الذات.

نعم كتمان الضيق وإِبداء السرور هو نوع من التقدير والاحترام للآخرين وقد كانتا مثالاً راقياً لذلك، جابهتا الحياة برحابة وصبر وهدوء.

الأخلاق العالية والأرواح النبيلة هي التي تجعل الميت حي، وهي ذاتها التي تكسب ذوي المتوفي العزاء كلما سمع ذكرهم الطيب على السن الناس.

عموماً الموت عبرة. إنما قليل من يعتبر.

ثروة الحي ثراء أخلاقه لا ماله، بذخ محبته ولطفه، عطاءه وشفقته، أدبه.... إلخ.. تلك الصفات هي ذاتها إرث الميت.

هو إرث لا يقتصر على الورثة فقط، إنما يشمل جميع من عرف وأحب.

إرث فاخر وفي متناول الجميع، ليس هذا فحسب، إنما يورث الفخر والاعتزاز.

فخورة أنا كون عمتي وخالتي لحمي ودمي خلفتا سيرة عطرة لا تموت. في القلب أسى لفقدهما وفي ذكرهما وذكرياتهما النبيلة عزاء.

بودي أن أبوح وأشير لمكامن الجمال فيهما إنما شهادة المحب بمحبوبه مجروحة، فكيف لي أن أصف من هم أنا.

ويا ترى لو فكرت أن أخط لهما وهما على قيد الحياة رسالة فما عساه يكون فحواها، إذ أني ها هنا عاجزة عن الكتابة، أطارد الكلمات الشريدة، أتوسل الخاطرة ان لا تحيدا.

أجد صعوبة بالغة في سكب ما يجول بخاطري، كأني متيبسة بزمن ما قبل الرحيل، ذاك الزمن الذي تجمد عند أول الوباء قبل عام ونصف العام وأكثر، زمن توقفت فوق عقاربه تكات العمر حيث بقيت الوجوه كما رأيناها أخر مرة، وبقي الحديث الذي دار بآخر لقاء، عام ونصف مضى ونحن عالقون حيث التقينا أخر مرة.

أخر مرة تلك زادت الحزن مرارة وكست الذاكرة لهفة وشوقا.

التباعد فرض علينا البعد وجعل الشوق للأحضان الدافئة حلم.

العزلة أشعرتنا بالغربة والوحدة رغم المسافة القصيرة التي تفصلنا عن ذوينا والأحبة.

الفقد مؤلم ولكنه في زمن كورونا بطعم العلقم وأكثر، فهو محبط إذ لا نودع الفقيد ولا بأحضان المواساة نهنأ.

عزاءنا الوحيد ذكراهم المشرقة دوماً وذكريات رائعة وصوراً موسومة في الروح تبقى الأعذب.

اللهم لا اعتراض إنما الفقد مر المذاق.

وكأن الخيرين على موعد مع القدر.

إلى رحمة الله ورضوانه ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

عزائي لعائلتي الكريمة بالأخص والدي وأعمامي وعماتي. والدتي وأخوالي وخالاتي.

عظم الله أجوركم وجعلها آخر الأحزان وأطال في أعماركم وحفظكم.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
سلوى الزاير
[ القطيف ]: 14 / 6 / 2021م - 3:07 م
سلم نبض قلبك غاليتي ودام قلمك المتألق ومشاعرك الفياضة المليئة بالحب والأحساس

فراق الأحبه غصة ستبقى في قلوبنا مدا الحياة
نتظاهر بالصلابة والقوة والإبتسامة المخبى خلفها آهاات وحسرات وآلآم ونتجاهل ألم الفراق والقلب ينزف من الوجع لفراق الأحبه
ولا عيباً لو ذرفنا دموعاً نحاكي بها أحبتنا وأخلتنا
فالموت حق ولا بد منه فإن لله وإنا اليه راجعون
ولنا في عزاء الأحبه سلوة نقتدي بها بأهل البيت عليهم السلام الصبر والجَلَد والإيمان بقضاء الله وقدره

الرحمة والمغفرة والرضوان والجنة لأحبتي اختي وبنت عمي ولنا الصبر والسلوان

دمتي بخير ودام قلبك بالطمأنينة والسكينة عزيزتي