آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 5:41 م

”بقايا طبيب بيطري“ وولادة مصمم داخلي

بسام المسلمي *

”بقايا طبيب بيطري“ هو رحلة مكوكية يطوف بك السارد فيها عبر أماكن وأزمنة مختلفة متقلبا بين الجامعات المختلفة والوظائف المتنوعة والهوايات المتعددة. فهو ما إن يستقر قليلا على أمر ومكان ما حتى تظن أن تلك هي المحطة النهائية له؛ إلا وتجده قد انتقل إلى أمر ومكان آخريْن. وقد حداه على ذلك التنقل والترحال السندبادي السريع سعيه الحثيث لاكتشاف ذاته وتحقيق طموحه.

وقد أودع المؤلف كل تلك المغامرات والتجارب في كتابه بعد أن صبها في قالب سردي سلس وجميل يجعلك تعيش ”الدور“ فعلا وتتماهى مع الأحداث حقا، حتى لتشعر بأنك تتحدث عن تجربتك الشخصية أنت لا تجربة أحد آخر أو أنك، على الأقل، مرافق لصيق له في كل خطوة ومغامرة قام بها، فتتألم وتحزن وتفرح معه.

وتجارب السارد جاءت غنية والدروس المستقاة منها كانت ملهمة أنى سلطت وجهة نظرك إليها ووضعت بؤرة النظر فيها. فمع أن العوائق والمحن والمصاعب تمر علينا جميعا، إلا أننا نختلف في طريقة مواجهتها والتعاطي معها والإفادة منها وأخذ الدروس منها. فكثيرا ما نعدها أمورا بغيضة وقبيحة فنهرب منها خوفا وجزعا، وقلما نعدها فرصة لإعادة ترتيب الأوراق واستجماع القوى ولقمة سائغة للاستغلال والاستثمار. وهذا هو ما قام به المؤلف في ”بقايا طبيب بيطري“ بالذات. فقد تلقى تلك العقبات بصدر رحب وتعامل مع المصاعب بذكاء، وهنا يكمن الفرق في التعاطي مع الشدائد من شخص إلى آخر، محولا إياها لفرص وغنائم. فكل عقبة جعل منها خطوة له في اتجاه المستقبل وكل عائق حوله إلى عتبة تأخذه إلى الأعلى. وصنيع السارد هذا هو ما يجعلك تعتقد بأن ما كنت تعده عائقا بشكل مطلق قد لا يكون كذلك فعلا، لأنه ربما حمل في طياته عناصر الأمل واختزن في لبه أسباب النجاح تماما كما في تجارب المؤلف نفسه التي ضمها كتابه.

ومهما اقتنعت بأن الكاتب قد ملأ كتابه بالتجارب البائسة؛ فإنه لا يلبث حتى يريك بريق الأمل والفرح الذي ينبعث من تلك التجارب ليبدد كل الظلام الحالك والغيوم السوداء التي تلبدت في كبد سماء مزاجك لتشرق، في نهاية المطاف، شمس الحياة والطاقة والحيوية في قلبك. ولن أتحدث هنا بالتفصيل عن كل العِبر والدروس التي يستطيع أي منا استيحاءها والخروج بها من كل تجارب السارد، ولكن لعل معانقة ”تحقيق الذات“ التي تتربع في قمة هرم ماسلو للحاجات الإنسانية هو الأمر الأبرز الذي كلل مسيرة الطبيب البيطري، سابقا، بالنجاح. فعندما تحول السارد عن الطب البيطري ليدرس ويتخصص في التصميم الداخلي؛ فهو بذلك قد حقق ذاته، وظفر بتلك النشوة التي تصاحب النجاح والانتصار. وهو في الوقت نفسه، قد حطم صنم الطب البيطري، بما صاحبه من مشاكل ومحن، الذي ظل جاثما ومسيطرا على حياته مدة طويلة، حتى أيقن بأنه عدوه الذي حمله ”من لِبان المراضع“ على حد تعبير الجواهري. فدراسة التصميم الداخلي والتخصص فيه كان القشة التي قصمت ظهر الطبيب البيطري فجعلته يفقد ملامحه ويتخلى عن سماته ليصبح ”بقايا طبيب بيطري“ بعد أن حل محله المصمم الداخلي.