آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

خطاب الجنون في الثقافة العربية

أمير بوخمسين

في كتابه الصادر عن دار رياض نجيب الريس في عام 1993، باسم ”خطاب الجنون في الثقافة العربية“ لمؤلفه الكاتب السوري الأستاذ محمد حيّان السمان، تحدث فيه عن صوت الجنون في المجتمع العربي - الإسلامي، حيث تسائل الكاتب لماذا أصغى هذا المجتمع إلى صوت الجنون، ثم تداوله، وأعاد إنتاجه، وأدخله في الثقافة الاجتماعية المختلفة؟ كيف تم تبني شخصية المجنون في المسارد التراثية؟ وعن أي شيء حكى صوت الجنون؟ وماهي الأهمية الاجتماعية - السياسية، والثقافية لهذا المحكّي، بالنسبة لأطراف الصراع الاجتماعي التاريخي، والمستويات التي تجسّد من خلالها هذا الصراع في مساره؟

إن موقع صوت الجنون في خطاب الثقافة العربية - الإسلامية، هو منعكس مباشر لموقع هذا الصوت في المجتمع العربي - الإسلامي، في العصر الوسيط.

حيث لا يزال هذا الصوت له موقعه في الثقافة والمجتمع، على حد سواء، ما يزالان يمتلكان قوة الاستمرارية والتمثّل إلى يومنا هذا، وضمن معطيات وبواعث إجتماعية وثقافية ومتماثلة مع تلك المعطيات والبواعث السابقة.

إن مباحث هذا الكتاب تطمح في الإجابة عن هذه التساؤلات، ومن نافل القول الإشارة إلى أن الإجابة لن تكون، بأي شكل، ناجزة أو منتهية وإنما محاولة في حقل بكر، تستهدف المساهمة في دراسة الأبعاد الاجتماعية والأشكال التعبيرية لهذا الحقل، الذي لقى اهتماماً في إطار الثقافة الأنجلو - أميركية والفرنسية بشكل خاص.

وأسهم في دراسته مؤرخون وفلاسفة وعلماء نفس وتربية، بدءا من «دينس ديدرو فيلسوف من فلاسفة عصر التنوير ومن قادة حركة التنوير في فرنسا» كتب «أبن أخ رامو» - وإنتهاء ب «مشيل فوكو فيلسوف فرنسي، يعتبر من أهم فلاسفة النصف الأخير من القرن العشرين، تأثر بالبنيويين ودرس وحلل تاريخ الجنون في كتابه ”تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي“ أو «الجنون والحضارة» كما ظهر في طبعته الإنكليزية.

كما كان المجنون موضوع استلهام نفسي ولغوي، للعديد من الأعمال الأدبية العالمية، أذكر على سبيل المثال - الصخب والعنف - لوليم فوكنر الذي يعتبر واحد من أشهر الكتّاب في الأدب الأمريكي، برغم أن أعماله كانت قد نُشِرت منذ عام 1919 وغالبًا خلال عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين.

ورواية طيران فوق عش الوقواق - لكين كيسي.. بينما بقي هذا الحقل بعيدا عن اهتمام الباحثين في التاريخ والأدب والاجتماع، في إطار الثقافة العربية المعاصرة.

حيث أن الدراسات في هذا المجال قليلة جدا وتكاد تكون نادرة. ولعلّ كتاب أبو القاسم الحسن النيسابوري «عقلاء المجانين» عام 406 هجري من الكتب المهمة التي وثٌقت واستعرضت لمعنى الجنون في اللغة قبل أن يترجم لعدد كبير من عقلاء المجانين في المجتمع العربي الإسلامي، فقد أستعمل كل من أبو القاسم الحسن النيسابوري في ”عقلاء المجانين“ وأبن الجوزي «في صفوة الصفوي عام 597 هجري» نفس التعبير.

أما منصور حسين الآبي «نثر الدر عام 421 هجري»، وأبن عبد ربه الأندلسي «في العقد الفريد عام 328 هجري» جميعهم أستخدم كلمة المجنون للدلالة على هذا المحتوى.

”يذكر الكاتب لقد رسم صوت الجنون، بأصالة واضحة في الشكل والمحتوى، جوانب ومستويات من صور الذات العربية في مسارها الاجتماعي - التاريخي، بانكساراتها وتطلعاتها، بجدّها وهزلها، بوعيها الظلامي أو التاريخي المنطلق الذي يستشرف أفقا آخر أكثر رحابة وجمالا“.

المكتبة العربية القديمة مليئة من الكتابات التي دونّت وأرخت لهذه الحالة ورصدتها ولم يتم إهمالها، بينما في وقتنا الحالي نرى عدم التعاطي معها بصورة جدية من قبل كتاب ومثقفي المجتمع وكأنما هذه الطبقة من المجتمع منسيّة.