آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 1:13 م

قصة قصيرة

هروب

عبد الباري الدخيل *

في المجمع التجاري اختارت زوجتي طاولة في إحدى زوايا قسم المطاعم، وأخذت تحدثني عن الاستعدادات التي تتسابق على إنجازها أخواتها وصديقاتها لحفلة خطوبة ابنة أخيها.

كان المكان شبه فارغ فالناس لا تأتي للمجمع في هذا الوقت إلا القلة.

العاملون والعاملات يستفيدون من وقت الإغلاق لصلاة العصر فيتجولون في الأنحاء.

هناك عائلة تجلس قريباً مني، في الطاولة التي تقع في الخلف، يبدوا أنها سيدة وطفل لا أسمع إلا صوتهما، الطفل يريد هومبرغر وأمه ترفض أن تشتري له، تقول: لا نعلم عن نوع اللحم المستخدم، فلا يقتنع الطفل ويبكي.

ثلاث شابات يتمشيّن، إحداهن تدفع عربة بها طفل، الصغرى تمشي وعينها معلقة على محل الآيس كريم.

في ركن آخر من المكان عائلتان تجتمعان، سيدتان وأربعة أطفال ورضيع، الأطفال يتناولون المثلجات وإحدى السيدتين تتحدث في الهاتف والأخرى تتصفح الوتساب.

سيدة تمشي ببطئ تحمل أكياساً بها ملابس وعطور وأحذية، يتضح ذلك من الأسماء التي تحملها الأكياس.

سيدتان فلبينيتان تمشيان متماسكتين، تركتا الحرية لشعرهن الناعم أن يتجول معهن، توقفتا عند محل البرغر وتحدثت السمينة منهما للعامل الفلبيني وضحك الجميع ثم غادرتا دون أن تشتريا أي شيئ.

حارس الأمن يمشي ببطئ وهو يتحدث عبر الجهاز، يمشي ويتلفت، يقف عند المقهى يطلب كوب قهوة وقطعة سنبون، يفتش في جيبه فلا يجد مالاً يدفعه، فيطلب من العامل تأخير الطلب، لكن العامل يعطيه طلبه ويسمح له بالدفع مساءً.

فتاة تقف عند محل العصيرات، تتحدث في الهاتف وتعود للحديث مع العامل، يلحق بها شاب أسمر يرتدي بنطالاً وقبعة قماشية على رأسه، وسلسلة فضية في يده، يتحدث معها ثم يحملان العصير ويعودان لمكان جلوسهما.

رجل بدين يمشي بتثاقل وتمشي بجانبه زوجته وخلفهما طفلان سمينان، تلتفت الأم لطفليها لتستعجلهما في المشي، يصرخ فيهما الأب: تحركا وإلا لن تأكلا معنا.

شاب يمشي وقدمه تحك في الأرض، وصوت الحذاء يسمعه كل من يجلس في الركن، يتثائب ثم يخرج هاتفه، ينظر لرسالة وصلته، يبتسم ثم يعيد الهاتف لجيبه ويتلفت كأنه يبحث عن صحبه.

هنا عامل آسيوي ينظف الطاولات ويتلفت يمنة ويسرة قبل أن يدس الطعام المتبقي في كيس وضعه داخل العربة ليأخذه للمنزل.

ومن هناك يتسلل صوت سيدة تصرخ في وجه خادمتها الأثيوبية وتأمرها أن تسرع في إطعام الأطفال، وأن تلحق بها إلى محل مجاور.

وهذا الرجل في العقد السادس، يمشي بهدوء يشبه الملل، يحمل بين أطراف أصابعه مسبحة ذات حبات صفراء، تتدلى منها سلسلة ذهبية، إنه صاحب محل الساعات في الدور الأول.

طفلة جميلة تطل من على كتف أمها، تناغي المارة وتضحك في وجه الجميع، وأمها مشغولة بالحديث مع رفيقاتها، تسقط من يدها لعبتها فتفزع المجمع بالصراخ.

فجأة وضعت زوجتي يدها على يدي قائلةً: لا تشغل بالك بصراخها.

فهززت رأسي وابتسمت.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
ابو محمد
[ صفوى ]: 24 / 7 / 2021م - 10:42 م
ههههههههههه هذا هروب فعلي