آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

متى شعرت بأنك كبرت؟

أثير السادة *

مرة سألني أحد الزملاء الجدد في العمل: في أي لحظة انتابك الشعور بأنك كبرت وكيف كان وقعه عليك... كان كمن يريد التعرف على طعم المحطات القادمة، وهو في مطلع مشواره الحياتي والوظيفي، والاحساس بتلك المشاعر التي تطرق أبوابنا كلما أخذتنا الغفلة للاستيقاظ متأخرا على صوت صفير قطار العمر وهو يطوي المسافات من ورائنا.

كان ينتظر مني ربما أن أشير إلى الأربعين كقمة جبل نستريح عندها بعد لهاث طويل، لنبدأ الترنح شعوريا في ما يعرف بأزمة منتصف العمر، أو تلك اللحظة التي يحمل فيها الواحد منا طفله الأول على كتفه فتتساقط كل صور الطفولة من دفتر الذكريات، ويصبح في صورة الأب الذي يقوم ويقعد في سبيل اتمام صلاة العائلة، أو ربما كان يتوقع أن أشير إلى شهادات الخدمة المستمرة التي لا تبخل بتذكيرنا بالساعات التي ذهبت في الطريق إلى العمل، أو لعله ينتظر إجابة من قائمة الفواتير الشهرية والالتزامات المالية.

السؤال مخاتل رغم صراحته ومباشرته، فأنت دائما أصغر من كثيرين، وأكبر من أشخاص آخرين، على ضفاف العمر نضيف سنة أخرى لأعمارنا، ولا نعلم كم ستترك كل سنة على سواحلنا من أثر يذكر، خبرة أو تجربة، سلوكا أو ملمحا، أو حتى زبدا لا يذكره أحد، لا أظن بأن الناس يكبرون بذات النحو وذات الطريقة، هنالك من تعطلت أفكاره ومشاعره عند محطة عمرية محددة، يمضي اليوم والشهر والسنة دون أن تغير فيه شيئا، اللحظات بالنسبة له مجرد بستان لتصريف الوقت، وهنالك من تغرقه الحياة بمسئولياتها، وتأخذه أحلامه وتطلعاته في متاهاتها، فيخرج من حلم لآخر، يغتني من فشله كما يغتني من نجاحه، وهذا يكبر حتما خارج مقاييس الزمن.

لم أقل له بأن الأعمار مجرد أرقام، هذه اللازمة التي يحاول البعض استدعائها لهدهدة القلق الذي يعتريه من دخوله لنادي الكبار، لكن العمر وحده ليس من يهبك الشعور بالكبر، نظل أطفالا كما يقول قاسم حداد، حتى في منتصف العمر، وطالما في داخلنا ماء يمدنا بالحياة، وبالأفكار والمشاعر، نظل كالبحر الذي لا يعرف الهرم.

هل كبرت حقا؟.. في صباي، وجدت نفسي ضمن مجموعة من الأصدقاء يكبرونني في العمر، كنت أصغرهم، كنت يومها أبحث عن ذريعة للشعور بأني كبير مثلهم، أمسكت بالقلم مبكرا، لأتسلل من صفحات منذورة لمن يكبرونني في العمر والكلمات، كنت أخاف من أي عبارة إطراء تتدفق بالمجان لمجرد أني صغير!. اليوم وكلما تلفتنا إلى الأمس بقلق نشتاق مرات إلى صورنا الأولى، إلى ما يغيب عن نواظرنا غير أنه يحضر فينا، كحنين أخضر، وحده الفقد هو ما يجعلنا نكبر ونشعر بالكبر، أن نفقد شيئا كنا نملكه ونفرح به، لذلك من يفقد عزيزا أو قريبا يشعر بأن روحه تهرم قبل جسده، وهنا أدعي أنه متى ما فقدنا الحلم والطموح والبهجة والأمل سنكبر لا بمعنى النضج لكن بمعنى الذبول والذي كان الرسالة المضمرة في سؤال الزميل إياه.