آخر تحديث: 18 / 5 / 2024م - 9:57 م

الانحناء للعاصفة

محمد أحمد التاروتي *

المرونة في اتخاذ المواقف الحياتية مرتبطة بالظروف الراهنة، وكذلك بالقدرة على توظيف الأوضاع القائمة بالطريقة المثالية، لاسيما وان التصلب يترك تداعيات سلبية على أصحابها، مما يقلل من احتمالية جني الثمار سريعا، الامر الذي يسهم في ضياع بعض المكاسب على الأرض، خصوصا وان المواقف المتشنجة تكشف طبيعة التفكير في الأوقات الصعبة، وبالتالي فان المواقف تصنف الأشخاص، فتارة تتسم بالحكمة والقدرة على التعامل بالمرونة الواقعية، وتارة أخرى بالفوضوية والحماقة وعدم القدرة على تقدير الوضع بالشكل المطلوب.

ابداء بعض التنازلات لإنقاذ مركب المجتمع من الغرق، لا يدخل في باب الضعف وعدم القدرة على المواجهة، بقدر ما يعطي دلالة على وجود حكمة في امتصاص حالة الغضب، والدخول في المصالحة مع الذات، والانسجام مع الوسط الاجتماعي، لاسيما وان التنازلات خطوة أساسية وتفرضها الاحداث في بعض الأحيان، نظرا لوجود ظروف استثنائية وقاهرة تتطلب ابداء المرونة، والابتعاد عن التعصب الشخصي، خصوصا وان الظروف الصعبة التي تعيشها البيئة الاجتماعية، تفرض انتهاج خيارات صعبة أحيانا، انطلاقا من تغليب المصالح العامة على المآرب الخاصة.

تفسير التنازلات بالضعف وانعدام المسؤولية، يدخل في باب المناكفات لدى بعض الأطراف المتنافسة او المتصارعة، لاسيما وان الأطراف المتربصة تحاول اقتناص بعض المواقف للاستفادة منها في صراعها، لتجييرها لتسجيل بعض النقاط على الساحة الاجتماعية، من خلال الضرب على وتر المشاعر لاستقطاب بعض الفئات الاجتماعية، وبالتالي فان محاولات اخراج التنازلات الواقعية عن سياقها وغاياتها النبيلة، يكشف نوعا من ”الخبث“ وانحدار في منظومة القيم الأخلاقية الحاكمة في التنافس الشريف، بمعنى اخر، فان توظيف المرونة بطريقة انتهازية لا يخدم البيئة الاجتماعية، بقدر يهدف لتحقيق أغراض خاصة.

الانحاء للعاصفة يكشف حالة من القراءة السريعة، لمجريات الاحداث بالساحة الاجتماعية، فالمواقف المتصلبة تكون نتائجها وخيمة على الصعيد الشخصي أحيانا، نتيجة فقدان القدرة على التحرك بحرية في الوسط الاجتماعي، لاسيما وان الأوضاع الصعبة التي تعيشها البيئة الاجتماعية، تفرض اتخاذ مواقف ”شجاعة“ بعيدا عن ”العنتريات“، والخطب الرنانة، وبالتالي فان التنازلات تسهم في وضع الأمور في النصاب السليم، مما يساهم في الحفاط على التماسك الداخلي، خصوصا وان المواقف المتشنجة تحدث شرخا كبيرا في الانسجام الاجتماعي، مما يستدعي اتخاذ المواقف العقلانية القادرة على تحريك الجانب الإيجابي، عوضا من انتهاج التعصب الاهوج.

اختلاف التفاسير تجاه المواقف المرنة، عملية طبيعية جراء القراءات المختلفة، تجاه طبيعة الأوضاع الاجتماعية، فهناك بعض الفئات تنظر لبعض الظروف باعتبارها تحولات طبيعية، مما يفرض العمل المشترك عبر اتخاذ المواقف الجادة، وعدم التحرك باتجاه تقديم المزيد من التنازلات، فيما بعض الفئات تحاول تقديم المساعدة للبيئة الاجتماعية بطريقتها الخاصة، من خلال ابداء المزيد من المرونة للخروج من الازمة باقل الخسائر، وبالتالي فان الاختلاف في التفسيرات ليست مدعاة لشن حروب شعواء، على أصحاب المواقف المرنة، ومحاولة وضع تلك المواقف في خانات سلبية، واستبعاد الجوانب الإيجابية.

وجود قدرة فائقة في اتخاذ المواقف بمختلف الأوضاع، عنصر أساسي في تقيم الأوضاع الاجتماعية، لاسيما وان فقدان القدرة على اتخاذ القرار، يحول دون انتهاج سياسة ”المرونة“، في الأوقات الصعبة والمفصلية، بمعنى اخر، فان الرغبة في اتخاذ المواقف المرنة ليست كافية للدخول في ساحة تلك الفئة، خصوصا وان بعض القرارات تتطلب شجاعة وقدرة على امتصاص ردات أفعال الأطراف المناوئة، والتي تعمل على الاصطياد في الماء العكر، بهدف توظيف المواقف المرنة فيما يحقق بعض المكاسب، بعيدا عن المبادئ الأخلاقية التي تفرض تجميد ”الحروب“ الداخلية، من اجل تغليب الصالح العام على بعض الغايات الخاصة.

العواصف القوية ليست سببا في اتخاذ موقف ”الانحناء“، فهناك بعض العواصف بسيطة ولكنها تحمل في طياتها الكثير من التحديات على الصعيد الاجتماعي، مما يفرض اظهار الانتماء الصادق عبر اتخاذ الموقف الشجاع، بهدف اخراج البيئة الاجتماعية من المأزق الذي تعيشه، الامر الذي يكشف نوعية التفكير لدى بعض الشرائح، تجاه الظروف القاهرة للمجتمع.

كاتب صحفي