آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:00 م

المستمع بين خطيئةِ الانتقاد ومسؤوليَّة تقييم الخطيب ”الحسينيّ“

أرجو أن لا يسيء القارئ الكريم فهمَ هذا الأمر، فمهما كان من صعوبة في الكلام والكتابة في هذا المجال، إلا أننا بحاجةٍ عظمى اليوم لمن يقدِّم أجملَ أطروحةٍ فكريَّة ننتفع بها، كما ننتفع بتلك الدَّمعة واللَّوعة والأسى من تذكار الواقعةِ الحسينيَّة، وكما ننتفع بالغذاءِ والدواءِ الجسديَّان. فلو افترضنا بمفهوم اليوم أن قناةً فضائيَّة غربيَّة أرادت أن تجري مقابلةً مع الخطيب والمستمع وتودّ أن تعرف: ماهي الرِّسالة التي في رأسِ الخطيب التي يرغب أن يستفيدَ منها المستمع؟ وكيف يساهم المستمع في تقييم وتدعيم هذه الرِّسالة؟ وفي هذا الصَّدد استعرض مع القارئ الكريم وجهتي نظر:

- الوجهة الأولى: إحصاء المستمع المعائب وتعداد المناقص - إن وجدت - وهذا ليس بجائز ولا هو ديدن العقلاء وسوف نطوي عنها كشحا ونعرض عنها، ولا يجوز أن تأخذ حيِّزا كبيرًا من النّقاش.

- الوجهة الثَّانية: وهي حقٌّ وواجب لكي تنجح مهمَّة الخطيب ويستفيد المجتمعُ بكلِّ أطيافه من ذلك النَّجاح. فلك أن تتخيَّل لو أن أحدنا اشترى بضاعةً رخيصةَ الثَّمن فوجدها معيبة لسارعَ في إخبارِ البائع بما وجد وإعلامه بعدم رضاه عن تلك السِّلعة الرَّخيصة الثَّمن! كيف إذًا لا يبادر ويساند ويقيِّم من يقدم له الأفكار التي من المفترض أن تحييه روحيًّا وجسديًّا واجتماعيَّا، وفي كلِّ مناشطِ الحياة؟!

أظنّ أن ابتعاد المستمع وإحجَامه عن إعطاءِ رأي - مفيد - للخطيب، ولو في مجلسٍ خاصّ، هو سلوكٌ يُلام عليه المستمع، وبدلًا من التذمّر والتَشكِّي، على المستمع أن يقولَ لمن استفادَ منه: شكرًا على ما قدَّمت، أنا استفدتُ من حضورِ مجالسكم، ولمن يعتقد أنه قصَّر: كان بإمكانك أن تفيدني أكثر. مع العلم أن الفائدةَ والمنفعة درجات، فلن يستطيع خطيبٌ أن يرضي كلَّ من حضر، إلا أنه هناك درجة من المسؤوليَّة التي يعرف بدايتها الخطيب نفسه، كم من الجهدِ والتَّحصيل والتَّحضير اقتضت تلك المهمَّة والحصَّة الخطابيَّة؟

وبعد هذه المقدِّمة أعرض طريقتين من طرق التَّقييم:

- التَّقييم الشخصيّ: وهو أن يقومَ الخَطيب بتقييم نفسه، واستفادة المستمع من أطروحته، وهذا هو السَّائد الآن، وعلى مدى عشراتِ السِّنين نجحَ فيه البعض وفشل فيه آخرون من الخطباء.

- تقييم المستمع: وهم عيِّنة مسبوقة الاختيار من منتظميّ الحضور، والعارفين مسبقًا بما ينوي الخطيب أن يقدِّمه من أطروحة في عشرةِ أيَّام أو نحوها. وبعد ذلك تقارِن المجموعة مدى ما قدَّمه الخطيب عمليًّا قبالة ما نوى طرحه نظريًّا. وهذا التَّقييم يحتوي على مفاتيح تختارها تلك المجموعة، ثم بعد ذلك تُعرض النَّتائج على الخطيب لكي يستفيدَ منها في المستقبل، ويبقى هذا العملُ سريًّا بين المجموعة والخطيب.

قد يستغرب القارئ الكريم من تكرار الدَّعوة لتطوير المنبر - والظنّ بغير المختصّ - لكن عليه أن يلتفت إلى أن المنبر الحسينيّ يمثل إعلامًا فريدًا، وأن عليه استخدام السُّبُل والآليَّات الأمثل لمواصلة جذبِ المتلقِّي وتثقيفه، كما فعلَ ذلك على مدى مئاتِ السِّنين في قفزاتٍ تاريخيَّة أمدَّته بالحيويَّة والنَّشاط.

مستشار أعلى هندسة بترول