آخر تحديث: 18 / 5 / 2024م - 9:57 م

الفعاليات.. التوعية

محمد أحمد التاروتي *

تسهم الكثير من الفعاليات الاهلية في رفع مستوى الوعي الاجتماعي، من خلال تسليط الضوء على بعض الممارسات، والتحرك باتجاه تصويبها او تشذيبها سواء بطريقة مباشرة او غير مباشرة، لاسيما وان الفعاليات تحاول زرع الحلول البديلة لبعض الممارسات ”الخاطئة“، باعتبارها مؤشرا على السير في الطريق الخاطئ، مما يفرض إيجاد البدائل القادرة على إعادة الأمور للجادة الصائبة، من اجل الصالح العام أولا، ومحاولة انقاذ الافراد من خطورة تكريس تلك الممارسات في الثقافة اليومية ثانيا.

اثر الفعاليات في تصحيح المسارات، يختلف باختلاف الرسالة التي تحملها، وطريقة عرضها في البيئة الاجتماعية، فتارة تكون الاليات المستخدمة فعالة، وذات قدرة عالية في اختراق الحواجز المعنوية المكرسة في الوعي الاجتماعي، مما ينعكس على سرعة انهاء الممارسات الخاطئة، والعودة الى الطريق السليم، فيما تتطلب بعض الرسائل التي تحملها الفعاليات الكثير من الجهود، والكثير من الوقت للحصول على النتائج الإيجابية، خصوصا وان العملية ليست مقصورة على الأدوات، والعناصر المترجمة لتلك الرسائل، وانما تشمل كذلك الأطراف المستقبلة، فالعملية مرتبطة ”بالعرض والقبول“، وبالتالي فان حصد الأثر الكبير للفعاليات مرهون بالكثير من العوامل الفاعلة، بعضها مرتبط بالفئات المشرفة على تلك الفعاليات، والبعض الاخر مرهون بقابلية البيئة الاجتماعية.

اختيار الرسالة يشكل احد العناصر الأساسية للنجاح اوالفشل، فهناك العديد من الرسائل تتجاوز المفهوم السائد في الثقافة الاجتماعية، مما يجعلها غير قادرة على احداث الأثر الملموس خلال الحقبة الزمنية الراهنة، فيما تحمل فعاليات في طياتها رسائل تحاكي الواقع الثقافي الاجتماعي، مما يخلق حالة من الانسجام والتلاقي في الطرح، بحيث تبرز على شكل التفاعل السريع، والدخول في مرحلة التصويب التدريجي، لبعض الممارسات السائدة، وبالتالي فان الرسالة تشكل مدخلا أساسيا، في القدرة على تحويل الأفكار الى واقع عملي، على الصعيد الفردي والاجتماعي، انطلاقا من ”إنا معاشر الأنبياء امرنا ان مكلم الناس على قدر عقولهم“.

تحديد الهدف الأساس يلعب دورا محوريا في نجاح الفعاليات على الصعيد الاجتماعي، فالعشوائية والفوضوية ليست قادرة على احداث اختراقات حقيقية في الوعي الاجتماعي، مما ينعكس سلبا على فقدان الفعاليات قدرتها على التفاعل مع المحيط الخارجي، وبالتالي فان تحديد الهدف من البداية عنصر أساسي في البحث عن الأدوات المناسبة، للوصول الى الأهداف المرسومة، خصوصا وان العناصر القادرة على ترجمة الخطط تختلف تبعا لتباين الإمكانيات والقدرات، مما يستدعي البحث عن الكفاءات القادرة على وضع الأهداف في الطريق السليم، لاسيما وان الفعاليات تتحرك لمخاطبة مختلف المستويات الثقافية، مما يتطلب إيجاد الخطاب المناسب لكل شريحة الاجتماعية، من اجل توفير عناصر القبول، والابتعاد عن مسببات العزوف والنفور، نظرا لخطورة التعاطي بفوقية مع البيئة الاجتماعية، باعتبارها احد الأسباب وراء فقدان الفعاليات اثرها الفاعل، في تكريس الممارسات البديلة في السلوك الخارجي، لبعض الشرائح الاجتماعية.

ارتباط الفعاليات بالوعي الاجتماعي، يكون أحيانا واضحا للعيان من خلال المسارات، التي رسمتها منذ البداية، من خلال التركيز على بعض الممارسات، ومحاولة خلق الظروف المناسبة لطردها من الوجدان الاجتماعي، فيما تحاول بعض الفعاليات رسم مسارات بعيدة المدى، والعمل على التحرك بطريقة غير مباشرة، سواء نتيجة الضغوط الاجتماعية المعارضة، او بسبب عدم وجود الأرضية الخصبة لكشف جميع الأوراق امام الجميع، وبالتالي فان التحرك بطريقة غير مباشرة يمثل الخيار المناسب للوصول الى الأهداف المرسومة، خصوصا وان الفعاليات تحاول تكريسها حضورها في الثقافة الاجتماعية، مما يجعلها اكثر قدرة على التأثير في استقطاب بعض الشرائح الاجتماعية، الامر الذي يسهم في توظيف الحضور الاجتماعي، في زرع بعض السلوكيات البديلة، والتحريض على الاستغناء على السلوكيات الخاطئة.

قدرة الفعاليات على رفع الوعي الاجتماعي ليست قدرا محتوما، نظرا لاختلاف النظرة لاهداف تلك الفعاليات، فالتفاعل الكبير يساعد في تسريع رفع الوعي الاجتماعي، من خلال تكريس تلك الفعاليات في الوجدان الشعبي، بحيث تترجم على اشكال مختلفة بعضها مرتبط بتبني تلك الأهداف، والبعض الاخر بالمناصرة القوية، مما يجعل تلك الفعاليات اكثر حضورا، على الصعيد السلوكي للفرد أولا، والمجتمع ثانيا.

كاتب صحفي