آخر تحديث: 18 / 5 / 2024م - 11:30 م

وهم الانتصارات

محمد أحمد التاروتي *

يتحرك البعض باتجاهات متعددة، بعضها ذات صبغة واقعية وتعكس جانبا كبيرا من القراءة الدقيقة لمجريات الاحداث، بهدف تحقيق بعض المكاسب على الأرض، مما يعود بالفائدة على الصعيد الشخصي سواء في الزمن المنظور او الحقب القادمة، فيما تتسم بعض التحركات بالفوضوية وانعدام الرؤية، الامر الذي يتسبب في ارتكاب بعض الأخطاء القاتلة، جراء القراءة الخاطئة وأحيانا المتسرعة، وبالتالي فان محاولات البحث عن أسباب الانتصار وتحقيق المكاسب بحاجة الى رؤية واضحة، وقدرة على قراءة الساحة الاجتماعية بشكل دقيق، خصوصا وان التغاضي عن اتباع الاليات المناسبة يترك تداعيات خطيرة على الاطار الشخصي، وفقدان القدرة على صناعة المستقبل بالطريقة المطلوبة.

حلم الانتصارات المادية والمعنوية، يراود الجميع في جميع المراحل الحياتية، فالمرء بحاجة الى انتصارات ملموسة، لمواصلة مشوار النجاح في الحياة الشخصية والاجتماعية، لاسيما وان الإخفاق وعدم القدرة على كسر الطوق المادي والمعنوي، يعرقل جميع الطموحات الخاصة، مما يتسبب في حالة من الانزواء الذاتي، والدخول في الهزيمة الداخلية، مما يفقد الانسان المحفزات على الانطلاق بقوة في مختلف المجالات الحياتية، نظرا للاحساس بالانكسار الذاتي، وعدم القدرة على تحقيق الانتصارات المؤدية، لبناء المستقبل الشخصي.

الانفصال عن الواقع المعاش، ومحاولة رسم انتصارات ”وهمية“، ينطلق أحيانا من فقدان الإرادة القوية، وانعدام الرؤية السليمة في التعاطي مع التحديات بالطريقة المناسبة، فالاحلام ليست قادرة على بناء الذات او صنع المستقبل الشخصي، بقدر ما تقود المرء للدخول في متاهات ومسالك مظلمة، مما يستدعي التعامل بواقعة والتحرك باتجاه المواجهة المباشرة، والدخول في صراع الانتكاسات والفشل، من اجل اكتساب الخبرة، والمعرفة بتحديات المعارك الحياتية، خصوصا وان الإرادة القوية تصنع من الفشل في بعض المحطات، جسرا للعبور باتجاه النجاح، وتفادي الوقوع في الأخطاء.

وجود العزيمة القوية والقدرة على الوقوف مجددا، يقضي على أوهام الانتصارات التي يحاول البعض نسجها في الخيال، كنوع من تسلية الذات، ومحاولة الهروب من الواقع البائس الذي يعيشه، وبالتالي فان العزيمة الراسخة تلعب دورا أساسيا في معايشة الواقع، وطرد مختلف اشكال الانتصارات الواهية، باعتبارها سرابا غير قادرة على ترسيخ الاقدام في الواقع الاجتماعي، فالبناء الذاتي بحاجة الى ممارسات على ارض الواقع، بعيدا عن الخيالات التي يتم رسمها في الفضاء غير المرئي.

وهم الانتصارات وسيلة ”العاجز“ للخروج من المأزق الذاتي، فالشعور بالفشل وعدم القدرة على صنع الذات في الواقع الاجتماعي، يدفع البعض للانزواء الداخلي، ومحاولة إرضاء الذات بالطريقة المعاكسة، من خلال التحرك باتجاهات خاطئة، وغير منطقية على الاطلاق، بهدف خلق واقعا افتراضيا وغير ملموس على الصعيد الاجتماعي، كنوع من تعويض النقص الداخلي، وبالتالي فان الانتصارات الواهية ليست قادرة على صنع الذات، بقدر ما تسهم في تكريس الضياع الداخلي، والهروب من الواقع المعاش عبر رسم عوالم خيالية، تفتقر للمصاديق على الصعيد الخارجي.

عملية بناء الذات مرتبطة بالقدرة على الاعتراف، من خلال تسخير بعض الإخفاقات الحياتية، وعدم الوقوف كثيرا عندها، فالانطلاق يتطلب التحول من حالة الانهزام الذاتي الى الاندفاع القوي، باتجاه صناعة النجاح، بهدف الخروج من حالة الضعف الى جبهة المواجهة، والانطلاق للوقوف بجوار صف النجاح والانتصار، الامر الذي يساعد في البناء الذاتي، وترك أوهام الانتصارات، التي لا تسمن ولا تغني من جوع.

بكلمة، فان أوهام الانتصارات مرض يصيب بعض الفئات الاجتماعية، نظرا للاحساس بحالة من الانكسار الذاتي، مما يدفع لمحاولة البحث عن عناصر للخروج من تلك الحالة المزرية، كمحاولة للدخول في الانتصارات الوهمية، للتغلب على الهزيمة الداخلية، والدخول في عالم مختلف عن العالم الخارجي الذي يشعر بمرارته، جراء عدم القدرة على تحويله من عنصر احباط الى عامل تحفيز، وانطلاق باتجاه بناء النجاح، وصناعة المستقبل على الصعيد الشخصي.

كاتب صحفي