آخر تحديث: 18 / 5 / 2024م - 9:57 م

اراجيز الطف

محمد أحمد التاروتي *

تنقل كتب السيرة المؤرخة لمعركة الطف الدامية، الكثير من ابيات الشعر التي يرتجزها أصحاب سيد الشهداء ، عند النزول لساحة المعركة لمواجهة الجيش الأموي في يوم عاشوراء، حيث تحمل تلك الأشعار جانبا من الحماسة والفخر والشجاعة، بالإضافة للتعريف بالنفس للطرف المقابل.

الابيات القصيرة التي يرتجلها أصحاب الامام الحسين عند الانحدار الى ميدان القتال، تكشف جانبا راسخا من البصيرة لدى انصار سيد الشهداء ، حيث تحمل في طياتها الكثير من المعاني، والمفردات ذات المغزى العميق، فيما يتعلق بالاستعداد التام للتضحية بالنفس في سبيل نصرة ريحانة المصطفى ، بالإضافة لمحاولة تقديم النصح للطرف المقابل، كنوع من المسؤولية الملقاة على عاتق الانسان المسلم، بالإضافة الى ان المنازلة في الحروب تتطلب الارتجاز قبل الالتحام بالسيف، كونها من الأمور المتعارف عليها انذاك.

من الصعب الوقوف على القراءة الدقيقة لطبيعة الاشعار الارتجالية، خصوصا وان الظروف التي صيغت فيها تلك الابيات تختلف عن الوضع الراهن أولا، فضلا عن إعطاء صورة متكاملة لقائل تلك الابيات، من الصعوبة بمكانة لدى كافة الباحثين، انطلاقا من مكانة ابطال كربلاء، وصعوبة الارتقاء لمستوى تقييم تلك الشخصيات من مختلف الجوانب فإني لا أعلم أصحابا أوفى ولا خيرا من أصحابي، ولا أهل بيت أبر ولا أوصل من أهل بيتي فجزاكم الله عني خيرا".

دراسة اراجيز أصحاب سيد الشهداء ، لا تعدو عن كونها اجتهادات شخصية ومحاولات بسيطة وسريعة، للوقوف على تلك الابيات، التي ارتجلت ابان المعركة الحامية، التي قادها الامام الحسن مع الثلة من اهل بيته وأصحابه، مقابل جيش جرار يناهز 30 الف مقاتل، وبالتالي فان الدراسة تبقى محل اخذ ورد، انطلاقا من القناعة الراسخة بإمكان تصويب كافة الآراء والاجتهادات، عدم الركون عندها، بهدف الارتقاء بالعمل لتجاوز بعض الاجتهادات، بما يصب في خانة رسم الصورة المناسبة لمعركة الطف الخالدة.

أشعار الارتجاز في واقعة كربلاء الخالدة، تمثل مخزونا معرفيا للجهات العلمية الساعية للبحث في بعض تفاصيل هذه الواقعة الأليمة، فهذه الاشعار قادرة على استنطاق الكلمات بطريقة مباشرة او غير مباشرة، مما يسهم في رسم جانبا من الجوانب التي حاول الاعلام الأموي طمسها او السكوت عنها، لاسيما وان الاشعار تمثل الوسيلة الأكثر انتشارا في القرون الأولى للاسلام، وبالتالي فان الارتجاز يسهم في إيصال الرسالة لمختلف الأطراف، نظرا لسهولة الحفظ لدى المتلقى، فقد استطاعت هذه الرسالة تحقيق جانبا من أهدافها، من خلال تدوينها في كتب السير والمقاتل، التي عمدت لنقل العديد من التفاصيل ليوم عاشوراء، وذلك بالرغم من الجهود التي بذلت لطمس التفاصيل الدقيقة، التي جرت على الامام الحسين واهل بيته وأصحابه.

إعادة الحياة لابيات الارتجاز التي ارتجلها أصحاب الحسين في يوم عاشوراء، تمثل احد الوجوه العديدة التي تحملها رسالة الطف الخالدة للعالم، فالمعركة الخالدة ما تزال قادرة على رفد العقول الإنسانية، بالمزيد من الزخم والمبادئ الأخلاقية، كونها تتجدد سنويا منذ اكثر من 1350 سنة.

سنحاول في الأيام القادمة التعرف على طبيعة تلك الاشعار لمجموعة من الاصحاب، بهدف تسليط الضوء على تلك الابيات التي يرتجلها المقاتلون في ساحة المعركة، خصوصا وان تلك الاشعار ترسم بعض الملامح للطبيعية الشخصية أولا، وثانيا كون الارتجاز يعتبر جزءا من المعارك الحربية، سواء لبث الرعب في نفس الخصم او الاعتزاز بالقبيلة.

كاتب صحفي