آخر تحديث: 18 / 5 / 2024م - 11:30 م

اراجيز الطف «2»

محمد أحمد التاروتي *

حملت الابيات الثلاثة التي ارتجزها حبيب بن مظاهر، اثناء نزوله الى حومة الميدان في يوم عاشوراء، 6 أمور تتوزع على التعريف بالذات وكذلك الفروسية والمنازلة في الحروب، بالإضافة الى كثرة الجيش الاموي، وأيضا الصبر لدى جيش سيد الشهداء، فضلا عن الوفاء، وكذلك امتلاك الحجة الظاهرة، وأخيرا التقوى لدى معسكر الامام الجيش.

بالرغم من محدودية المفردات التي تحملها الابيات، التي ارتجزها الصحابي حبيب بن مظاهر في ساحة الطف، فانها تكشف عن مقدرة بالغة في الاختزال، والقدرة على إيصال الرسالة بطريقة واضحة، من خلال استخدام المفردات البسيطة، وذات الدلالة الكبيرة في الوقت نفسه، مما يكشف جانبا واضحا في شخصية شيخ الأنصار، وبالتالي فان القراءة السريعة لتلك الابيات القصيرة، تعطي الكثير من المعاني، وتكشف العديد من الأمور عبر قراءة ما تحت السطور، في تلك العبارات القصيرة التي تتضمن الابيات الثلاثة.

تنقل كتب السيرة المؤرخة لمعركة الطف الخالدة، ان شيخ الأنصار الصحابي الجليل حبيب بن مظاهر رضوان الله عليه، ارتجل عدة ابيات بمجرد الحصول على الاذن بالقتال، من لدن سيد الشهداء ، حيث تضمنت تلك الابيات كشفا للشخصية القادمة، لمواجهة الأعداء لنصرة الحق على الجيش الأموي، فالابيات التي تنقلها كتب السير لمعركة كربلاء، تتحدث عن ارتجاز شيخ الأنصار ابيات قصيرة كالاتي:

انا حبيب ابي مظاهر == فارس الهيجاء وحرب تسعر

انتم اعدة عدة واكثر == ونحن اوفي منكم واصبر

ونحن اعلى حجة واظهر == حقا واتقى منكم واعذر

منذ الوهلة الأولى لقراءة تلك الابيات القصيرة، يكتشف القارئ ان قائلها ليس مجهولا او غير معروف، فقد حرص شيخ الأنصار على التعريف بالذات، بهدف إيصال رسالة واضحة المعالم للجيش الأموي، ان القادم للقتال ليس شخصية مغمورة، او انها لا تمتلك رصيدا اجتماعيا، او مكانة مرموقة في مجتمع الكوفة، حيث يعد حبيب بن مظاهر من الشخصيات التي يشار لها بالبنان في الكوفة، وكذلك مكانته في قومه، مما يسهم في القاء الحجة على جيش بن سعد، وتحميلها مسؤولية هذه الفاجعة الكبرى، التي لطخت جبين الإنسانية منذ ارتكابها حتى عصرنا الحالي، ”انا حبيب ابي مظاهر“.

بالإضافة لذلك فان الابيات المذكورة تتناول جانبا مهما في حياة العرب، فالفروسية وخوض الحروب يمثل ركيزة أساسية لدى العرب، خصوصا وان الشجاعة ليست غريبة عن العرب على مر التاريخ، وبالتالي فان الابيات حرصت على تذكير الأعداء بعدم الخوف، او الجبن من الموت، ”فارس الهيجاء وحرب تسعر“.

وينتقل شيخ الأنصار في البيت الثاني، الى تقرير حقيقة اعتزام عبيد الله بن زياد على ارتكاب الجريمة الكبرى بحق سيد الشهداء، من خلال تجييش الألاف من المقاتلين لمواجهة ثلة قليلة العدد، بيدان تلك الاعداد لم تؤثر على العزيمة الراسخة، لمعسكر الامام الحسين ، حيث يقول ”انتم اعدة عدة واكثر“.

وفي الشطر الاخير من البيت الثاني، يتناول حبيب بن مظاهر صفة أساسية لدى جيش الحق، الذي يقوده سيد الشهداء في يوم عاشوراء، من خلال التركيز على صفة الوفاء وعدم الخذلان، فالجميع على قلب واحد في التضحية بالدفاع عن الامام الحسين حتى الرمق الأخير، خصوصا وان الخذلان مفردة ليست موجودة في قاموس الأنصار، فضلا عن اهل بيت بطل كربلاء، حيث يقول ”و نحن اوفي منكم واصبر“.

بينما يركز في البيت الثالث على امتلاك البصيرة ووضوح الرؤية، لدى معسكر سيد الشهداء مقابل الضلال واتباع الدنيا لدى جيش بني امية، فالانصار على اختلافهم وكذلك اهل بيت الامام الحسين ، على معرفة تامة بالمصير الاخروي والفوز بالجنان، فيما المعسكر الاموي مصيره اللعنة في الدنيا والتخليد في النيران، حيث يقول ”و نحن اعلى حجة واظهر“.

ويحمل الشطر الأخير من البيت الثالث جانبا من صفات معسكر سيد الشهداء ، فالتقوى التي يحملها جيش الامام الحسين ، ليست متوافرة على الاطلاق في أصحاب المطامع الدنيوية، خصوصا وان المحركات التي تقود الجيش الاموي لا تتجاوز ”الذهب والفضة“، فالجميع يأمل بالتقرب من عبيد الله بن زياد والفوز بالجائزة، من خلال المشاركة في قتل مظلوم كلابلاء، فالبيت الأخير يقول:

ونحن اعلى حجة واظهر==  حقا واتقى منكم واعذر

كاتب صحفي