آخر تحديث: 18 / 5 / 2024م - 7:00 م

اراجيز الطف «3»

محمد أحمد التاروتي *

تضمن البيت الشعري الذي ارتجزه الحر بن يزيد الرياحي، في الغاضرية اثناء نزوله ساحة الوغى، العديد من المعاني ذات الدلالة الواضحة على اعتزازه بنفسه، وشجاعته في مواجهة الأعداء، بالاضافة الى القدرة على مواجهة العدو، فضلا عن الاتصاف بالكرم.

القراءة السريعة للبيت الشعري الذي ارتجله، بمجرد الدخول في ساحة المعركة يوم عاشوراء، تكشف بعضا من الصفات النبيلة التي يتحلى بها الحر بن يزيد الرياحي، فهو يذّكر اهل الكوفة بنفسه والمكارم التي يتصف بها، باعتباره من علية القوم في قبيلته بالإضافة كونه من أصحاب القامات الرفيعة في مجتمع الكوفة، فضلا عن كونه قائدا عسكريا تشهد له المعارك، حيث كان يرأس سرية قوامها الف فارس، قبل التحاقه بمعسكر سيد الشهداء في معركة الطف الخالدة.

الاعتزاز بالنفس يلاحظ في مطلع البيت الشعري، الذي ارتجزه عند مواجهة الجيش الاموي، من اجل التعريف بالذات أولا، وبث الرعب في نفوس جيش عمر بن سعد، لاسيما وان الجميع يعرف شجاعته وعدم خوفه من الحروب، فالتاريخ ينقل مقوله احد افراد جيش بن اسعد حينما رآه حائرا وخائفا قبل التحاقه بمعسكر غريب كربلاء بقوله ”لو قيل من اشجع اهل الكوفة لما عدوتك“، فقد استقبل الحر الرياحي الأعداء بقوله ”اني انا الحر“، فهذه المفردات تكشف معرفة اهل الكوفة بشخصيته لدى القاصي والداني، فالمجتمع الكوفي يدرك مصير المواجهة العسكرية في المبارزة معه منذ اللحظات الأولى، الامر الذي دفع بعض الجيش الاموي عن التراجع عن الدخول، في المواجهة المباشرة مع الحر.

فيما يحمل الجزء الثاني من الشطر الأول، صفة أخلاقية سامية يتسم بها العرب بشكل عام، فاكرام الضيف من الصفات الحميدة، التي يتصف بها العرب على مر العصور، سواء في الجاهلية او الاسلام، فهذا الجزء يذّكر الجيش الاموي بجذوره العربية الاصيلة من جانب، وتذكير اهل الكوفة بفضائله الحميدة، التي شملت العديد من الفئات في الكوفة، فهذا الشطر من البيت يوحي بان منزله مفتوحا على الدوام لاستقبال الضيوف، وتوفير المأوى اللازم للجميع، وبالتالي فان الجزء الثاني من الشطر الأول يتكلم عن صفة أخلاقية فاضلة، ما تزال حديث القاصي والداني لدى اهل الكوفة، مما يجعل يعني ان الحر يحاول إيصال رسالة واضحة للعدو، انه ليس شخصية مغمورة او غير معروفة لدى كافة افراد الجيش الاموي، الامر الذي يدلل على كون بيته - الحر - مقصدا دائما للضيوف، حيث يقول في البيت التي ارتجزه ”و مأوى الضيف“.

للانتقال للشطر الثاني من البيت الشعري، الذي ارتجزه الحر الرياحي في يوم عاشوراء، فانه يحمل في طياته الشجاعة وفرحته بلقاء العدو، فهو قادر على الوصول الى الاعناق بسهولة، من خلال الضرب الشديد بالسيف، والحاق الهزيمة السريعة بالاعداء، خصوصا وانه يمتلك القدرة والدراية الكاملة باصول الحروب، وكيفية الانتصار السريع وقطع الرقاب من خلال السيف الذي يحمله.

فالشطر الثاني يبدأ بمفردة ”الضرب“ التي تحمل في طياتها الكثير من الدلائل، منها عدم التساهل والتردد في انزال العقاب، وإيصال جيش بني امية الى جهنم وبئس المصير، بالإضافة الى الاستعداد التام لمواجهة الجيش الاموي، بدون التفريق بين شخص او اخر، فهو لوحده قادر على تمكين السيف من رقاب جيش عمر بن سعد، من خلال قوله ”اضرب في اعناقكم بالسيف“، وبالتالي فان اللغة التي يعرفها الجيش الاموي، تتمثل المواجهة بالسيف دون غيره، لاسيما وان الخطب التي القاها الامام الحسين صبيحة يوم عاشوراء، لم تثن الجيش الأموي عن إراقة دماء سيد الشهداء مع اهل بيته، فالحر ارتجل بيت شعر بمجرد نزوله ساحة المعركة بقوله:

إني أنا الحر ومأوى الضيف * أضرب في أعناقكم بالسيف

كاتب صحفي