آخر تحديث: 18 / 5 / 2024م - 11:30 م

اراجيز الطف «4»

محمد أحمد التاروتي *

اجتزل البيت القصير الذي ارتجزه برير بن خضير في ساحة الطف، والذي لم تتجاوز كلماته 8 كلمات العديد من المضامين، فقد احتوى البيت الشعري الاعتزاز بالذات، بالإضافة الى احتواء البيت على صفة أخلاقية سامية، بحيث كشفت الكلمات البسيطة والواضحة، العديد من الجوانب لهذه الشخصية ذات الأصول العربية.

البيت الشعري الذي ارتجزه الشهيد برير بن خضير، عند انحدار لقتال الجيش الاموي، يكشف جانبا من الشجاعة الطاعية، وعدم امتلاك الرهبة والخوف من نفسه، اذ حاول التعريف بالذات منذ البداية، من اجل اماطة اللثام عن شخصيته والقبيلة التي ينتمي اليها، فهو لم يكتف بذكر اسمه في مطلع بيت الشعر، وانما حاول ربط اسمه بوالده، من اجل رفع الالتباس وكشف شخصيته الحقيقية، لاسيما وان الجيش الاموي يضم عشرات الألوف، فالبعض منهم لم يسمع بهذه الشخصية، مما فرض وضع الجميع في الصورة.

التعريف بالذات عملية أساسية في مختلف الحروب، خصوصا وان الحروب في تلك الفترة الزمنية، تعتمد في البداية على النزال قبل الالتحام المباشر، الامر الذي يستدعي التعريف بالذات للطرف المقابل، وبالتالي فان الارتجاز الذي يتضمن التعريف بالذات، ضرورة لاحداث الأثر النفسي في العدو، لاسيما وان الحالة النفسية تلعب دورا أساسيا في ترجيح كفة على أخرى، بمعنى اخر، فان الدخول في الحرب يستدعي احداث الخوف في الطرف المقابل، لتحقيق الانتصار السريع، الامر الذي يستشف من البيت الشعري الذي ارتجزه الشهيد برير بن خضير، في معركة الطف بمجرد نزوله الى ساحة الميدان، لمواجهة جيش عمر بن سعد، حيث يقول ”انا برير“.

في الشطر الثاني من البيت الأول، يتضمن التعريف يتضمن التعريف بوالد ”برير“، فهو يحاول إزالة جميع التكهنات، ورفع البلس في عقول العدو، خصوصا وان التعريف بالوالد ينم عن الاعتزاز بهذا النسب الشريف من جانب، وتحريك العقول لدى العدو بشرف المقاتل القادم للمنازلة من جانب اخر، فالتعريف بالوالد منذ البداية ينهي كافة التأويل، او القيل والقال بخصوص الشخصية القادمة للقتال، وبالتالي فان شجاعة برير دفعت البعض لمحاولة الهرب من المواجهة، نظرا لمعرفة اهل الكوفة بباسلة الشهيد برير بن خضير، حيث تجلى ذلك في القتال الشديد الذي اظهره، منذ اللحظات الأولى للنزول في ساحة الميدان، فالشطر الثاني يحتوى ”وابي خضير“.

بينما يحتوي الشطر الثاني، مساحة واسعة من المعاني، فهو يتضمن صفة من الصفات الحميدة، التي ترفع صاحبها عند الله أولا، وفي المجتمع ثانيا، حيث يذّكر الجميع بانه يمتاز بكافة مزايا الخير والاخلاق الحميدة، فقد استخدم مفردة قادرة على احتواء كافة الصفات الحميدة، بحيث لا تقتصر على جانب واحد، وانما تشمل كافة الاخلاق الفاضلة والقيم النبيلة، مما يدلل على قدرة غير اعتيادية في الاختزال، وتطويع المفردات لتخدم المراد، فالكلمة المستخدمة تستوعب كافة اعمال الصلاح، وبالتالي فان الشطر الثاني يمثل رسالة واضحة للجيش الاموي، حيث تتمثل هذه الرسالة ”انه يقف الى جانب ثلة تسعى للشهادة ونيل رضوان الله، فهذه الثلة المؤمنة من انصار سيد الشهداء“ ع ”، حريصة على طاعة الله على الدوام، سواء في أوقات الرخاء او الشدة، حيث يقول في الشطر الأول من البيت الثاني“ وكل خير ".

الشهيد برير بن خضير لم يترك المتلقى حائرا، فقد اردف مفردة سريعة للإجابة على التساؤلات المتعلقة، عن معنى ”وكل خير“، من خلال ربط الخير بشخصية القائل، فهو يعني ما يقول بشكل دقيق، استنادا للتاريخ العملي في سيرته بالمجتمع الكوفي، حيث يحظى بالتقدير والاجلال من لدن الجميع، نتيجة الصلاح والتقوى الذي يمتاز بهما، الامر الذي يتمثل في قوله ”فله برير“، بمعنى اخر، فان الخير كله ينطلق من برير ويعود اليه، بحيث يصعب الفصل بينهما، جراء الانسجام الداخلي والخارجي في عمل الخير على الدوام، طاعة لله رضوانه والفوز بجنانه.

فالتاريخ ينقل ان برير ارتجز بيتا شعريا اثناء قتاله في معركة كربلاء، حيث يقول:

أنا برير وأبي خضير *** وكل خير فله برير

كاتب صحفي