آخر تحديث: 18 / 5 / 2024م - 11:30 م

اراجيز الطف «5»

محمد أحمد التاروتي *

احتوت ارجوزة نافع بن هلال على العديد من المضامين، فهي تتضمن الشجاعة والقوة عبر استعارة مفردة ”هزبر“، بالإضافة للتعريف بتاريخه الحافل بالجهاد والوقوف بجوار الحق، حيث يذّكر الجيش الاموي بمواقفه البطولية مع سيد الاوصياء ، فضلا عن التعريف عن نفسه واصله الشريف، بالإضافة الى السعي الراسخ في نيل الشهادة تحت راية الامام الحسين .

واستهل نافع بن هلال ابياته الشعرية التي ارتجلها في معركة كربلاء، بمدخل يحتوي على الشجاعة والقوة القدرة على النيل من الجيش الأموي، من خلال استخدام مفردة ذات دلالة قوية في النفوس، فهو لم ينطلق في ارجوزته من التعريف بذاته أولا، وانما حرص على اختيار الكلمة التي تعكس شجاعته، وقوته في ميادين الحروب، حيث اختار مفردة ”الهزبر“ والتي تعني الأسد الكاسر والرجل الضخم، وبالتالي فانه يحاول إيصال رسالة واضحة لجيش عمر بن سعد، بانه يمتلك القدرة الكبيرة على الهجوم، وافتراس الرؤوس بسهولة.

فيما يحمل الشطر الثاني في البيت الأول، من ارجوزة نافع بن هلال دلالة واضحة على مسيرته الحياتية، من خلال التذكير بتاريخه النضالي في السنوات الماضية، حيث شارك في الحروب التي خاضتها الامام علي ابان خلافته، سواء في معركة الجمل او النهروان او صفين، وبالتالي فانه ما يزال على العهد السابق، وكذلك امتلاك الخبرة الكافية في خوض الحروب، وحصد الرؤوس، حيث يستخدم ”ديني على دين علي“، فالشطر الثاني يعطي صورة واضحة المعالم، عن شخصية نافع بن هلال، واختياره طريق الحق على الركون الى الظلم، من خلال نصرة الامام علي في كافة حروبه التي خاضتها.

وينتقل نافع بن هلال في البيت الثاني من ارجوزته، الى التعريف بنفسه امام الأعداء، بهدف رفع التساؤلات التي تدور في اذهان الجيش الاموي، عندما خاض النزال في ساحة المعركة، خصوصا وان التعريف بالذات يعطي دلالة واضحة على الاعتزاز بالذات أولا، والانتساب الى القبيلة التي ينتمي اليها، حيث يقول في الشطر الأول من البيت الثاني ”انا الغلام اليمني الجملي“، فالكلمات التي استخدمها ذات دلالة واضحة على اصله اليمني، حيث ينتمي الى قبيلة قادمة من اليمن استوطنت الكوفة.

بينما يحمل الشطر الأخير من البيت الثاني، مفردات تتضمن التمسك بمواقفه المبدئية، التي اختارها منذ خلافة الامام علي ، فهو ما يزال على العهد السابق ولم يتنازل على تلك المبادئ الراسخة، والوقوف الى جانب الحق، الامر الذي يتمثل في الوقوف الى جانب سيد الشهداء في يوم عاشوراء، خصوصا وان التمسك بالحق يقود الى الرضوان والفوز بالجنان، حيث يقول ”ديني على دين حسين بن علي“.

ويكشف الشطر الأول من البيت الثالث حقيقة مواقفه، والسعي الى القتال والفوز بالشهادة تحت راية سيد الشهداء ، باعتبارها الامل الوحيد الذي يراوده على الدوام، فالمعركة الدائرة بين معسكر الامام الحسين والجيش الاموي، تمثل الحق ضد الباطل، مما يستدعي التمسك بالمواقف الحقة، ومحاربة كافة اشكال الضلال، الذي يتزعمه عبيد الله بن زياد، حيث يقول ”ان اُقتل اليوم فهذا أملي“.

ويختم ارجوته في الشطر الأخير من البيت الثالث، بمواقفه الراسخ ورأيه الثابت في الدفاع عن اختياره الصائب، في البقاء على جانب سيد الشهداء ، والموت دونه في ساحة الطف، فهذا الشرف لا يناله سوى القلة ممن امتحن الله قلبهم بالايمان، حيث يعبر عن ذلك الموقف بقوله ”فذاك رأيي وألاقي عملي“، فهو يستند على عمله الصالح، ومبادئه الراسخة، في الحصول على شرف الشهادة، تحت راية غريب كربلاء .

كتب التاريخ تنقل ان نافعا بن هلال نقش اسمه، على سهامه المسمومة ويرميها على أعداءه، فقتل 12، وكان ينشد قائلاً:

أنأ الهزبر الجملي *** ديني على دين علي

وبعدها نفذت سهامه اخرج سيفه وقاتل وانشد:

انا الغلام اليمني الجملي *** ديني على دين حسين بن علي

ان اُقتل اليوم فهذا أملي *** فذاك رأيي وألاقي عملي

كاتب صحفي